Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 30-32)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الكاف في { كذلك } متعلقة بالمعنى الذي في قوله : { قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب } [ الرعد : 27 ] أي كما أنفذ الله هذا { كذلك } أرسلتك - هذا قول - والذي يظهر لي أن المعنى كما أجرينا العادة بأن الله يضل ويهدي ، لا بالآيات المقترحة . فكذلك أيضاً فعلنا في هذه الأمة : { أرسلناك } إليها بوحي ، لا بآيات مقترحة ، فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء . وقوله : { وهم يكفرون بالرحمن } قال قتادة وابن جريج : نزلت حين عاهدهم رسول الله عام الحديبية ، فكتب الكاتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال قائلهم : نحن لا نعرف الرحمن ولا نقرأ اسمه . قال القاضي أبو محمد : والذي أقول في هذا : أن " الرحمن " يراد به الله تعالى وذاته ، ونسب إليهم الكفر به على الإطلاق ، وقصة الحديبية وقصة أمية بن خلف مع عبد الرحمن بن عوف ، إنما هي إباية الاسم فقط ، وهروب عن هذه العبارة التي لم يعرفوها إلا من قبل محمد عليه السلام . ثم أمر الله تعالى نبيه بالتصريح بالدين والإفصاح بالدعوة في قوله : { قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت } و " المتاب " : المرجع كالمآب ، لأن التوبة الرجوع . ويحتمل قوله : { ولو أن قرآنا } الآية ، أن يكون متعلقاً بقوله : { وهم يكفرون بالرحمن } فيكون معنى الآية الإخبار عنهم أنهم لا يؤمنون ولو نزل " قرآن تسير به الجبال وتقطع به الأرض " - هذا تأويل الفراء وفرقة من المتألين - وقالت فرقة : بل جواب { لو } محذوف ، تقديره : ولو أن قرآنا يكون صفته كذا لما آمنوا بوجه ، وقال أهل هذا التأويل - ابن عباس ومجاهد وغيرهما - إن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : أزح عنا وسير جبلي مكة فقد ضيقا علينا ، واجعل لنا أرضنا قطع غراسة وحرث ، وأحي لنا آباءنا وأجدادنا وفلاناً وفلاناً - فنزلت الآية في ذلك معلمة أنهم لا يؤمنون ولو كان ذلك كله ، وقالت فرقة : جواب { لو } محذوف ، ولكن ليس في هذا المعنى ، بل تقديره : لكان هذا القرآن الذي يصنع هذا به ، وتتضمن الآية - على هذا - تعظيم القرآن ، وهذا قول حسن يحرز فصاحة الآية . وقوله : { بل لله الأمر جميعاً } يعضد التأويل الأخير ويترتب مع الآخرين . وقوله : { أفلم ييئس الذين آمنوا } الآية ، { ييئس } معناه : يعلم ، وهي لغة هوازن - قاله القاسم بن معن - وقال ابن الكلبي : هي لغة هبيل حي من النخع ، ومنه قول سحيم بن وثيل الرياحي : [ الطويل ] @ أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني ألم تيئسوا أني ابن فارس زهدم @@ قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن يكون اليأس في هذه الآية على بابه ، وذلك أنه لما أبعد إيمانهم في قوله : { ولو أن قرآناً } الآية - على التأويلين في المحذوف المقدر - قال في هذه الآية : أفلم ييئس المؤمنون من إيمان هؤلاء الكفرة ، علماً منهم { أن لو يشاء لهدى الناس جميعاً } . وقرأ ابن كثير وابن محيصن " يأيس " وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس وابن أبي مليكة وعكرمة والجحدري وعلي بن حسين وزيد بن علي وجعفر بن محمد " أفلم يتبين " . ثم أخبر تعالى عن كفار قريش والعرب أنهم لا يزالون تصيبهم قوارع من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزواته . وفي قراءة ابن مسعود ومجاهد : " ولا يزال الذين ظلموا " ثم قال : { أو تحل } أنت يا محمد { قريباً من دارهم } هذا تأويل فرقة منهم الطبري وعزاه إلى ابن عباس ومجاهد وقتادة - وقال الحسن بن أبي الحسن : المعنى { أو تحل } القارعة { قريباً من دارهم } . وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير : " أو يحل " بالياء " قريباً من ديارهم " بالجمع . و " وعد الله " - على قول ابن عباس وقوم - فتح مكة ، وقال الحسن بن أبي الحسن : الآية عامة في الكفار إلى يوم القيامة ، وأن حال الكفرة هكذا هي أبداً . و " وعد الله " : قيام الساعة ، و " القارعة " : الرزية التي تقرع قلب صاحبها بفظاعتها كالقتل والأسر ونهب المال وكشف الحريم ونحوه . وقوله : { ولقد استهزىء } الآية ، هذه آية تأنيس للنبي عليه السلام ، أي لا يضيق صدرك يا محمد بما ترى من قومك وتلقى منهم ، فليس ذلك ببدع ولا نكير ، قد تقدم هذا في الأمم و " أمليت لهم " أي مددت المدة وأطلت ، والإملاء : الإمهال على جهة الاستدراج ، وهو من الملاوة من الزمن ، ومنه : تمليت حسن العيش . وقوله : { فكيف كان عقاب } تقرير وتعجيب ، في ضمنه وعيد للكفار المعاصرين لمحمد عليه السلام .