Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 5-7)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه آية توبيخ للكفرة أي " وإن تعجب " يا محمد من جهالتهم وإعراضهم عن الحق - فهم أهل لذلك ، وعجب وغريب ومزر بهم " قولهم " : أنعود بعد كوننا " تراباً " - خلقاً جديداً - ويحتمل اللفظ منزعاً آخر أي وإن كنت تريد عجباً فلهم ، فإن من أعجب العجب " قولهم " . واختلف القراء في قراءة قوله : { أئذا كنا تراباً } فقرأ ابن كثير وأبو عمرو : " أئذا كنا تراباً أئنا لفي خلق جديد " جميعاً بالاستفهام ، غير أن أبا عمرو يمد الهمزة ثم يأتي بالياء ساكنة ، وابن كثير يأتي بياء ساكنة بعد الهمزة من غير مد . وقرأ نافع " أئذا كنا " مثل أبي عمرو ، واختلف عنه في المد ، وقرأ " إنا لفي خلق جديد " مكسورة على الخبر ، ووافقه الكسائي في اكتفائه بالاستفهام الأول عن الثاني ، غير أنه كان يهمز همزتين ، وقرأ عاصم وحمزة " أئذا كنا تراباً أئنا " بهمزتين فيهما . وقرأ ابن عامر " إذا كنا " مكسورة الألف من غير استفهام " ءائنا " يهمز ثم يمد ثم يهمز ، فمن قرأ بالاستفهامين فذلك للتأكيد والتحفي والاهتبال بهذا التقدير ، ومن استفهم في الأول فقط فإنما القصد بالاستفهام الموضع الثاني ، و " إذا " ظرف له ، و " إذا " في موضع نصب بفعل مضمر ، تقديره : انبعث أو نحشر إذا . ومن استفهم في الثاني فقط فهو بين ، - ولا حول ولا قوة إلا بالله - . والإشارة بـ { أولئك } إلى القوم القائلين : { أئذا كنا تراباً } وتلك المقالة إنما هي تقرير مصمم على الجحد والإنكار للبعث ، فلذلك حكم عليهم بالكفر . وقوله : { وأولئك الأغلال } يحتمل معنيين : أحدهما : الحقيقة وأنه أخبر عن كون { الأغلال في أعناقهم } في الآخرة فهي كقوله تعالى : { إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل } [ غافر : 71 ] . ويحتمل أن يكون مجازاً وأنه أخبر عن كونهم مغللين عن الإيمان ، فهي إذن تجري مجرى الطبع والختم على القلوب ، وهي كقوله تعالى : { إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان ، فهم مقمحون } [ يس : 8 ] وباقي الآية بين . وقال بعض الناس { الأغلال } - هنا - عبارة عن الأعمال ، أي أعمالهم الفاسدة في أعناقهم كالأغلال . قال القاضي أبو محمد : وتحرير هذا هو في التأويل الثاني الذي ذكرناه . وقوله تعالى : { ويستعجلونك بالسيئة … } الآية ، هذه آية تبين تخطيئهم في أن يتمنوا المصائب ، ويطلبوا سقوط كسف من السماء أو حجارة تمطر عليهم ونحو هذا مع خلو ذلك في الأمم ونزوله بأناس كثير ؛ ولو كان ذلك لم ينزل قط لكانوا أعذر ، و { المثلات } جمع مثلة ، كسمرة وسمرات ، وصدقة وصدقات . وقرأ الجمهور " المَثُلات " بفتح الميم وضم الثاء ، وقرأ مجاهد " المَثَلات " بفتح الميم والثاء ، وذلك جمع مثلة ، أي الأخذة الفذة بالعقوبة ، وقرأ عيسى بن عمر " المُثُلات " بضم الميم والثاء ، ورويت عن أبي عمرو ؛ وقرأ يحيى بن وثاب بضم الميم وسكون الثاء ، وهاتان جمع مثلة ، وقرأ طلحة بن مصرف " المَثْلات " بفتح الميم وسكون الثاء . ثم رجّى عز وجل بقوله : { وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم } قال الطبري : معناه في الآخرة ، وقال قوم : المعنى : إذا تابوا ، و " شديد العقاب " إذا كفروا . قال القاضي أبو محمد : والظاهر من معنى " المغفرة " هنا إنما هو ستره في الدنيا وإمهاله للكفرة ، ألا ترى التيسير في لفظ { مغفرة } ، وأنها منكرة مقللة ، وليس فيها مبالغة كما في قوله : { وإني لغفار لمن تاب } [ طه : 82 ] ونمط الآية يعطي هذا ، ألا ترى حكمه عليهم بالنار ، ثم قال : { ويستعجلونك } فلما ظهر سوء فعلهم وجب في نفس السامع تعذيبهم ، فأخبر بسيرته في الأمم وأنه يمهل مع ظلم الكفر ، ولم يرد في الشرع أن الله تعالى يغفر ظلم العباد . ثم خوف بقوله : { وإن ربك لشديد العقاب } قال ابن المسيب : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا عفو الله ومغفرته لما تمنى أحد عيشاً ، ولولا عقابه لاتكل كل أحد " وقال ابن عباس : ليس في القرآن أرجى من هذه الآية . و { المثلات } هي العقوبات المنكلات التي تجعل الإنسان مثلاً يتمثل به ، ومنه التمثيل بالقتلى ، ومنه المثلة بالعبيد . وقوله تعالى : { ويقول الذين كفروا } الآية ، هذه آية غض من اقتراحاتهم المتشططة التي لم يجر الله به عادة إلا للأمم التي حتم بعذابها واستئصالها ، و " الآية " هنا يراد بها الأشياء التي سمتها قريش كالملك والكنز وغير ذلك ، ثم أخبره الله تعالى بأنه { منذر } وهذا الخبر قصد هو بلفظه ، والناس أجمعون بمعناه . واختلف المتأولون في قوله : { ولكل قوم هاد } فقال عكرمة وأبو الضحى : المراد بالهادي محمد عليه السلام ، و { هادٍ } عطف على { منذر } كأنه قال : إنما أنت { منذر } و { هادٍ } لكل قوم . فيكون هذا المعنى يجري مع قوله عليه السلام : " بعثت للأسود والأحمر " و { هادٍ } - على هذا - في هذه الآية بمعنى داعٍ إلى طريق الهدى . وقال مجاهد وابن زيد : المعنى : إنما أنت " منذر " ولكل أمة سلفت " هادٍ " أي نبي يدعوهم . قال القاضي أبو محمد : والمقصد : فليس أمرك يا محمد ببدع ولا منكر ، وهذا يشبه غرض الآية . وقالت فرقة : " الهادي " في هذه الآية الله عز وجل ، وروي ذلك عن ابن عباس ومجاهد وابن جبير ، و { هادٍ } - على هذا - معناه مخترع للرشاد . قال القاضي أبو محمد : والألفاظ تطلق بهذا المعنى ، ويعرف أن الله تعالى هو الهادي من غير هذا الموضع . وقالت فرقة " الهادي " : علي بن أبي طالب ، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم - من طريق ابن عباس - أنه قرأ هذه الآية وعلي حاضر ، فأومأ بيده إلى منكب علي وقال : " أنت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي " . قال القاضي أبو محمد : والذي يشبهه - إن صح هذا - أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل علياً رضي الله عنه مثالاً من علماء الأمة وهداتها إلى الدين ، كأنه قال : أنت يا علي وصنفك ، فيدخل في هذا أبو بكر وعمر وعثمان وسائر علماء الصحابة ، ثم كذلك من كل عصر ، فيكون المعنى - على هذا - إنما أنت يا محمد ولكل قوم في القديم والحديث رعاة وهداة إلى الخير . قال القاضي أبو محمد : والقولان الأولان أرجح ما تأول في الآية .