Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 42-44)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه الآية بجملتها فيها وعيد للظالمين ، وتسلية للمظلومين ، والخطاب بقوله : { تحسبن } لمحمد عليه السلام ، والمراد بالنهي غيره ممن يليق به أن يحسب مثل هذا . وقرأ طلحة بن مصرف " ولا تحسب الله غافلاً " بإسقاط النون ، وكذلك " ولا تحسب الله مخلف وعده " [ إبراهيم : 47 ] وقرأ أبو عبد الرحمن والحسن والأعرج : " نؤخرهم " بنون العظمة . وقرأ الجمهور : " يؤخرهم " بالياء ، أي الله تعالى . و { تشخص } معناه : تحد النظر لفزع ولفرط ذلك بشخص المحتضر ، و " المهطع " المسرع في مشيه - قاله ابن جبير وقتادة . قال القاضي أبو محمد : وذلك بذلة واستكانة ، كإسراع الأسير والخائف ونحوه - وهذا هو أرجح الأقوال - وقد توصف الإبل بالإهطاع على معنى الإسراع وقلما يكون إسراعها إلا مع خوف السوط ونحوه ، فمن ذلك قول الشاعر : [ الكامل ] @ بمهطع سرج كأن عنانه في رأس جذع من أوال مشذب @@ ومن ذلك قول عمران بن حطان : [ البسيط ] @ إذا دعانا فأهطعنا لدعوته داع سميع فلونا وساقونا @@ ومنه قول ابن مفرغ : [ الوافر ] @ بدجلة دارهم ولقد أراهم بدجلة مهطعين إلى السماع @@ ومن ذلك قول الآخر : [ الطويل ] @ بمستهطع رسل كأن جديله بقيدوم رعد من صوام ممنع @@ وقال ابن عباس وأبو الضحى : الإهطاع شدة النظر من غير أن يطرف وقال ابن زيد " المهطع " : الذي لا يرفع رأسه . قال أبو عبيدة : وقد يكون الإهطاع الوجهين جميعاً الإسراع وإدامة النظر ، و " المقنع " هو الذي يرفع رأسه قدماً بوجهه نحو الشيء ، ومن ذلك قول الشاعر : [ الشماخ ] [ الوافر ] @ يباكرن العضاة بمقنعات نواجذهن كالحدأ الوقيع @@ يصف الإبل بالإقناع عند رعيها أعالي الشجر . وقال الحسن في تفسير هذه الآية : وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد . وذكر المبرد - فيما حكي عن مكي - أن الإقناع يوجد في كلام العرب بمعنى خفض الرأس من الذلة . قال القاضي أبو محمد : والأول أشهر . وقوله : { لا يرتد إليهم طرفهم } أي لا يطوفون من الحذر والجزع وشدة الحال ، وقوله : { وأفئدتهم هواء } تشبيه محض ، لأنها ليست بهواء حقيقة ، وجهة التشبيه يحتمل أن تكون في فرغ الأفئدة من الخير والرجاء والطمع في الرحمة ، فهي منخرقة مشبهة الهواء في تفرغه من الأشياء وانخراقه ، ويحتمل أن يكون في اضطراب أفئدتهم وجيشانها في صدورهم وأنها تجيء وتذهب وتبلغ على ما روي - حناجرهم - فهي في ذلك كالهواء الذي هو أبداً في اضطراب . قال القاضي أبو محمد : وعلى هاتين الجهتين يشبه قلب الجبان وقلب الرجل المضطرب في أموره بالهواء ، فمن ذلك قول الشاعر : [ الطويل ] @ ولا تكن من أخدان كل يراعة هواء كسقب الناب جوفاً مكاسره @@ ومن ذلك قول حسان : [ الوافر ] @ ألا أبلغ أبا سفيان عني فأنت مجوف نخب هواء @@ ومن ذلك قول زهير : [ الوافر ] @ كأن الرحل منه فوق صعل من الظلمان جوجؤه هواء @@ فالمعنى : أنه في غاية الخفة في إجفاله . وقوله تعالى : { وأنذر الناس } الآية ، المراد بـ { يوم } يوم القيامة ونصبه على أنه مفعول بـ { أنذر } ولا يجوز أن يكون ظرفاً ، لأن القيامة ليست بموطن إنذار ، وقوله : { فيقول } رفع عطفاً على قوله : { يأتيهم } وقوله : { ولم تكونوا } إلى آخر الآية ، معناه : يقال لهم ، فحذف ذلك إيجازاً ، إذ المعنى يدل عليه ، وقوله : { ما لكم من زوال } هو المقسم عليه نقل المعنى ، و { من زوال } معناه من الأرض بعد الموت . أي لا بعث من القبور ، وهذه الآية ناظرة إلى ما حكى عنهم في قوله : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت } [ النحل : 38 ] .