Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 49-55)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقعت { ما } في هذه الآية لما يعقل ، قال الزجاج : قوله { ما في السماوات } يعم ملائكة السماء وما في السحاب وما في الجو من حيوان ، وقوله { وما في الأرض من دابة } بين ، ثم ذكر ملائكة الأرض في قوله { والملائكة } ويحتمل أن يكون قوله : { والملائكة } هو الذي يعم " السماوات والأرض " ، وما قبل ذلك لا يدخل فيه ملك ، إنما هو للحيوان أجمع ، وقوله { يخافون ربهم } عام لجميع الحيوان ، وقوله { من فوقهم } يحتمل معنيين : أحدهما الفوقية التي يوصف بها الله تعالى فهي فوقية القدر والعظمة والقهر والسلطان ، والآخر أن يتعلق قوله { من فوقهم } بقوله { يخافون } ، أي يخافون عذاب ربهم من فوقهم ، وذلك أن عادة عذاب الأمم إنما أتى من جهة فوق ، وقوله { ويفعلون ما يؤمرون } أما المؤمنون فبحسب الشرع والطاعة ، وأما غيرهم من الحيوان فبالتسخير والقدر الذي يسوقهم إلى ما نفد من أمر الله تعالى ، وقوله { وقال الله } الآية ، آية نهي من الله تعالى عن الإشراك به ومعناها لا تتخذوا إلهين اثنين فصاعداً ، بما ينصه من قوله { إنما هو إله واحد } ، قالت فرقة المفعول الأول بـ { تتخذوا } قوله { إلهين } ، وقوله { اثنين } تأكيد وبيان بالعدد ، وهذا معروف في كلام العرب أن يبين المعدود وبذكر عدده تأكيداً ، ومنه قوله { إله واحد } لأن لفظ { إله } يقتضي الانفراد ، وقال قوم منهم : المفعول الثاني محذوف تقديره معبوداً أو مطاعاً ونحو هذا ، وقالت فرقة : المفعول الأول { اثنين } ، والثاني قوله { إلهين } ، وتقدير الكلام لا تتخذوا اثنين إلهين ، ومثله قوله تعالى { ألا تتخذوا من دوني وكيلاً ذرية من حملنا مع نوح } [ الإسراء : 2 - 3 ] ففي هذه الآية على بعض الأقوال تقديم المفعول الأول لـ { تتخذوا } ، وقوله { فإياي } منصوب بفعل مضمر تقديره فارهبوا إياي فارهبون ولا يعمل فيه الفعل لأنه قد عمل في الضمير المتصل به ، وقوله { وله ما في السموات } الآية ، الواو في قوله { وله } عاطفة على قوله : { إله واحد } ، وجائز أن يكون واو ابتداء ، و { ما } عامة جميع الأشياء مما يعقل ومما لا يعقل ، و { السماوات } هنا كل ما ارتفع من الخلق في جهة فوق ، فيدخل فيه العرش والكرسي ، و { الدين } الطاعة والملك كما قال زهير في دين عمرو : وحالت بيننا فدك . أي في طاعته وملكه ، و " الواصب " القائم ، قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد والضحاك وقال الشاعر [ أبي الأسود ] : [ الكامل ] @ لا أبتغي الحمد القليل بقاؤه يوماً بذم الدهر أجمع واصبا @@ ومنه قول حسان : [ المديد ] @ غيرته الريح تسفي به وهزيم رعده واصب @@ وقالت فرقة : هو من الوصب وهو التعب ، أي وله الدين على تعبه ومشقته . قال القاضي أبو محمد : فـ " واصب " على هذا جار على النسب أي ذا وصب ، كما قال : أضحى فؤادي به فاتناً ، وهذا كثير ، وقال ابن عباس أيضاً : " الواصب " الواجب ، وهذا نحو قوله : الواصب الدائم ، وقوله { أفغير } ، توبيخ ولفظ استفهام ونصب " غير " بـ { تتقون } ، لأنه فعل لم يعمل في سوى " غير " المذكورة ، والواو في قوله { وما بكم } يجوز أن تكون واو ابتداء ، ويجوز أن تكون واو الحال ، ويكون الكلام متصلاً بقول { أفغير الله تتقون } ، كأنه يقال على جهة التوبيخ : أتتقون غير الله وما منعم عليكم سواه ، والباء في قوله { بكم } متعلقة بفعل تقديره وما نزل أو ألم ونحو هذا ، و { ما } بمعنى الذي ، والفاء في قوله { فمن الله } دخلت بسبب الإبهام الذي في { ما } التي هي بمعنى الذي ، فأشبه الكلام الشرط ، ومعنى الآية التذكير بأن الإنسان في جليل أمره ودقيقه إنما هو في نعمة الله وأفضاله ، إيجاده داخل في ذلك فما بعده ، ثم ذكر تعالى بأوقات المرض لكون الإنسان الجاهل يحس فيها قدر الحاجة إلى لطف الله تعالى ، و { الضر } وإن كان يعم كل مكروه فأكثر ما يجيء عبارة عن أرزاء البدن ، و { تجأرون } معناه ترفعون أصواتكم باستغاثة وتضرع ، وأصله في جؤار الثور والبقرة وصياحها ، وهو عند جهد يلحقها أو في أثر دم يكون من بقر تذبح ، فذلك الصراخ يشبه به انتحاب الداعي المستغيث بالله إذ رفع صوته ، ومنه قول الأعشى : [ المتقارب ] @ يراوح من صلوات المليـ ـك طوراً سجوداً وطوراً جؤارا @@ وأنشده أبو عبيدة : @ بأبيل كلما صلى جأر @@ والأصوات تأتي غالباً على فعال أو فعيل : وقرأ الزهري " يجَرَون " بفتح الجيم دون همز حذفت الهمزة وألقيت حركتها على الجيم ، كما خففت " تسلون " من " تسألون " ، وقوله { ثم إذا كشف الضر } قرأ الجمهور " كشف " ، وقرأ قتادة " كاشف " ، ووجهها أنها فاعل من واحد بمعنى كشف وهي ضعيفة ، و { فريق } هنا يراد به المشركون الذين يرون أن للأصنام أفعالاً من شفاء المرض وجلب الخير ودفع الضر ، فهم إذا شفاهم الله عظموا أصنامهم ، وأضافوا ذلك الشفاء إليها ، وقوله { ليكفروا } يجوز أن يكون اللام لام الصيرورة أي فصار أمرهم ليكفروا ، وهم لم يقصدوا بأفعالهم تلك أن يكفروا ، ويجوز أن تكون لام أمر على معنى التهديد والوعيد ، كقوله { اعملوا ما شئتم } [ فصلت : 40 ] والكفر هنا يحتمل أن يكون كفر الجحد بالله والشرك ، ويؤيده قوله : { بربهم يشركون } ، ويحتمل أن يكون كفر النعمة وهو الأظهر ، لقوله : { بما آتيناهم } أي بما أنعمنا عليهم ، وقرأ الجمهور { فتمتعوا فسوف تعلمون } على معنى قل لهم يا محمد ، وروى أبو رافع عن النبي عليه السلام " فيُمتعوا " بياء من تحت مضمومة " فسوف يعلمون " على معنى ذكر الغائب وكذلك في الروم ، وهي قراءة أبي العالية ، وقرأ الحسن " فتمتعوا " على الأمر " فسوف يعلمون " بالياء على ذكر الغائب ، وعلى ما روى أبو رافع يكون " يمتعوا " في موضع نصب عطفاً على " يكفروا " إن كانت اللام لام كي ، أو نصباً بالفاء في جواب الأمر إن كانت اللام لام أمر ، ومعنى التمتع في هذه الآية بالحياة الدنيا التي مصيرها إلى الفناء والزوال .