Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 63-66)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه آية ضرب مثلاً لهم بمن تقدم وفي ضمنها وعيد لهم وتأنيس للنبي صلى الله عليه ولم ، وقوله { اليوم } يحتمل أن يريد يوم الإخبار بهذه الآية ، وهو بعد موت أولئك الأمم المذكورة ، أي لا ولي لهم منذ ماتوا واحتاجوا إلى الغوث إلا الشيطان ، ويحتمل أن يريد يوم القيامة ، والألف واللام فيه للعهد ، أي " هو وليهم " في " اليوم " المشهور وهو وقت الحاجة والفصل ، ويحتمل أن يريد { فهو وليهم } مدة حياتهم ، ثم انقطعت ولايته بموتهم ، وعبر عن ذلك بقوله { اليوم } تمثيلاً للمخاطبين بمدة حياتهم ، كما تقول لرجل شاب تحضه على طلب العلم : يا فلان لا يدرس أحد من الناس إلا اليوم ، تريد في مثل سنك هذه . فكأنه قال لهؤلاء : { فهو وليهم } في مثل حياتكم هذه ، وهي التي كانت لهم ، وسائر الآية وعيد ، وقوله { وما أنزلنا عليك الكتاب } يريد القرآن ، وقوله { لتبين } في موضع المفعول من أجله ، وقوله { وهدى ورحمة } عطف عليه ، كأنه قال إلا للبيان أي لأجل البيان لهم ، وقوله { الذي اختلفوا فيه } لفظ عام لأنواع كفر الكفرة من الجحد بالله تعالى ، أو بالقيامة ، أو بالنبوءات ، أو غير ذلك ، ولكن الإشارة في هذه الآية إنما هي لجحدهم الربوبية وتشريكهم الأصنام في الألوهية ، ويدل على ذلك أخذه بعد هذا في إثبات العبر الدالة على أن الأنعم وسائر الأفعال إنما هي من الله تعالى ، لا من الأصنام . وقوله تعالى { والله أنزل من السماء ماء } الآية ، لما أمره بتبيين ما اختلف فيه ، نص العبر المؤدية إلى تبيين أمر الربوبية ، فبدأ بنعمة المطر التي هي أبين العبر ، وهي ملاك الحياة ، وهي في غاية الظهور لا يخالف فيها عاقل ، و " حياة الأرض وموتها " استعارة وتشبيه بالحيوان ، فإذ هي هامدة غبراء غير منبتة فهي كالميت ، وإذ هي منبتة مخضرة مهتزة رابية فهي كالحي ، وقوله { يسمعون } يدل على ظهور هذا المعتبر فيه وبيانه ، لأنه لا يحتاج إلى تفكر ولا نظر قلب ، وإنما يحتاج المنبه إلى أن يسمع القول فقط ، و { الأنعام } هي الأصناف الأربعة : الإبل والبقر والضأن والمعز ، و { العبرة } الحال المعتبر فيها ، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وابن مسعود بخلاف والحسن وأهل المدينة " نَسقيكم " بفتح النون من سقى يسقي ، وقرأ الباقون وحفص عن عاصم " نُسقيكم " بضم النون من أسقى يُسقي ، وهي قراءة الكوفيين وأهل مكة ، قال بعض أهل اللغة ، هما لغتان بمعنى واحد ، وقالت فرقة : تقول لمن تسقيه بالشفة أو في مرة واحدة سقيته وتقول لمن تُعِدُّ سقيه أو تمنحه شرباً أسقيته ، وهذا قول من قرأ " نسقيكم " ، لأن ألبان الأنعام من المستمر للبشر ، وأنشد من قال إنهما لغتان بمعنى ، قول لبيد : [ الوافر ] @ سقى قومي بني بدر وأسقى نميراً والقبائل من هلال @@ وذلك لازم لأنه لا يدعو لقومه بالقليل ، وقرأ أبو رجاء " يسقيكم " بالياء أي يسقيكم الله ، وقرأت فرقة " تسقيكم " بالتاء وهي ضعيفة وكذلك اختلف القراء في سورة المؤمنين وقوله { مما في بطونه } ، الضمير عائد على الجنس وعلى المذكور كما قال الشاعر : مثل الفراخ نتفت حواصله ، وهذا كثير لقوله تعالى { إن هذه تذكرة } [ الإنسان : 29 ] { فمن شاء ذكره } [ المدثر : 55 ] وقيل : إنما قال : { مما في بطونه } ، لأن الأنعام والنعم واحد فرد الضمير على معنى النعم وقالت فرقة : الضمير عائد على البعض ، إذ الذكور لا ألبان لها ، فكأن العبرة إنما هي في الأنعام ، و " الفرث " ما ينزل إلى الأمعاء ، و " السائغ " السهل في الشرب اللذيذ ، وقرأت فرقة " سيّغاً " بشد الياء ، وقرأ عيسى الثقفي " سيْغاً " بسكون الياء وهي تخفيف من سيغ كميت وهين ، وليس وزنهما فعلاً ، لأن اللفظة واوية ، ففعل منها سوغ ، وروي أن اللبن لم يشرق به أحد قط ، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .