Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 67-69)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال الطبري : التقدير { ومن ثمرات النخيل والأعناب } ما { تتخذون } ، وقالت فرقة : التقدير { ومن ثمرات النخيل والأعناب } شيء { تتخذون منه } ، ويجوز أن يكون قوله : { ومن ثمرات } ، عطفاً على { الأنعام } [ النحل : 66 ] أي ولكم من ثمرات النخيل والأنعام عبرة ، ويجوز أن يكون عطفاً على { مما } [ النحل : 66 ] ، أي ونسقيكم أيضاً مشروبات من ثمرات ، والسكر ما يسكر ، هذا هو المشهور في اللغة ، فقال ابن عباس : نزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر ، وأراد بالسكر الخمر ، وبالرزق الحسن جميع ما يشرب ويؤكل حلالاً من هاتين الشجرتين وقال بهذا القول ابن جبير وإبراهيم والشعبي وأبو زيد ، وقال الحسن ابن أبي الحسن : ذكر الله نعمته في السكر قبل تحريم الخمر ، وقال الشعبي ومجاهد : السكر السائغ من هاتين الشجرتين كالخل والرب والنبيذ ، و " الرزق الحسن " العنب والتمر ، قال الطبري : والسكر أيضاً في كلام العرب ما يطعم ، ورجح الطبري هذا القول ، ولا مدخل للخمر فيه ولا نسخ من الآية شيء ، وقال بعض الفرقة التي رأت السكر الخمر : إن هذه الآية منسوخة بتحريم الخمر ، وفي هذه المقالة درك ، لأن النسخ إنما يكون في حكم مستقر مشروع ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " حُرمت الخمر بعينها ، والسَّكَر من غيرها " هكذا في الرواية الصحيحة بفتح السين والكاف ، أي جميع ما يسكر منه حرم على حد تحريم الخمر قليله وكثيره ، ورواه العراقيون ، و " السُّكْر " بضم السين وسكون الكاف وهذا مبني على فقههم في أن ما أسكر كثيره من غير خمر العنب فقليله حلال ، وباقي الآية بين ، وقوله تعالى : { وأوحى ربك إلى النحل } الآية ، الوحي في كلام العرب إلقاء المعنى من الموحي إلى الموحى إليه في خفاء ، فمنه الوحي إلى الأنبياء برسالة الملك ، ومنه وحي الرؤيا ، ومنه وحي الإلهام ، وهو الذي في آياتنا هذه باتفاق من المتأولين ، والوحي أيضاً بمعنى الأمر ، كما قال تعالى { بأن ربك أوحى لها } [ الزلزلة : 5 ] . وقرأ يحيى بن وثاب " إلى النّحَل " بفتح الحاء و { أن } في قوله { أن اتخذي } مفسرة ، وقد جعل الله بيوت النحل في هذه الثلاثة الأنواع ، إما في الجبال وكُواها ، وإما في متجوف الأشجار ، وإما فيما يعرش ابن آدم من الأجباح والحيطان ونحوها ، و " عرش " معناه هيأ ، وأكثر ما يستعمل فيما يكون من إتقان الأغصان والخشب وترتيب ظلالها ، ومنه العريش الذي صيغ لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، ومن هذا هي لفظة العريش ، ويقال عرش يعرِش بكسر الراء وضمها ، وقرىء بهما ، قرأ ابن عامر بالضم وسائرهم بالكسر ، واختلف عن عاصم ، وجمهور الناس على كسر ، وقرأ بالضم أبو عبد الرحمن وعبيد بن نضلة ، وقال ابن زيد في قوله : { يعرشون } قال الكروم ، وقال الطبري { ومما يعرشون } يعني ما يبنون من السقوف . قال القاضي أبو محمد : وهذا منهما تفسير غير متقن ، وقوله تعالى : { ثم كلي من كل الثمرات } الآية ، المعنى ثم ألهمها أن كلي ، فعطف { كلي } على { اتخذي } ، و { من } للتبعيض ، أي كلي جزءاً أو شيئاً من كل الثمرات ، وذلك أنها إنما تأكل النوار من أشجار ، و " السبل " الطرق وهي مسالكها في الطيران وغيرها ، وأضافها إلى " الرب " من حيث هي ملكه وخلقه التي يسر لك ربك ، وقوله { ذللاً } يحتمل أن يكون حالاً من { النحل } ، أي مطيعة منقادة لما يسرت له ، قاله قتادة ، وقال ابن زيد : فهم يخرجون بالنحل ينتجعون وهي تتبعهم ، وقرأ { أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون } [ يس : 71 - 72 ] ، ويحتمل أن يكون حالاً من " السبل " أي مسهلة مستقيمة ، قال مجاهد : لا يتوعر عليها سبيل تسلكه ، ثم ذكر تعالى على جهة تعديد النعمة والتنبيه على العبرة أمر العسل في قوله { يخرج من بطونها } ، وجمهور الناس على أن العسل يخرج من أفواه النحل ، وورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في تحقير الدنيا : أشرف لباس ابن آدم فيها لعاب دودة ، وأشرف شرابه رجيع نحلة ، فظاهر هذا أنه من غير الفم ، و " اختلاف الألوان " في العسل بحسب اختلاف النحل والمراعي وقد يختلف طعمه بحسب اختلاف المراعي ، ومن هذا المعنى قول زينب للنبي صلى الله عليه وسلم : جرست نحْلُهُ العرفطَ حين شبهت رائحته برائحة المغافير ، وقوله { فيه شفاء للناس } الضمير للعسل ، قاله الجمهور : ولا يقتضي العموم في كل على وفي كل إنسان ، بل هو خبر عن أنه يشفي كما يشفي غيره من الأدوية في بعض دون بعض وعلى حال دون حال ، ففائدة الآية إخبار منبه منه في أنه دواء كما كثر الشفاء به وصار خليطاً ومعيناً للأدوية في الأشربة والمعاجين ، وقد روي عن ابن عمر أنه كان لا يشكو شيئاً إلا تداوى بالعسل ، حتى إنه كان يدهن به الدمل والضرحة ويقرأ { فيه شفاء للناس } . قال القاضي أبو محمد : وهذا يقتضي أنه يرى الشفاء به على العموم ، وقال مجاهد : الضمير للقرآن ، أي فيه شفاء ، وذهب قوم من أهل الجهالة إلى أن هذه الآية إنما يراد بها أهل البيت ورجال بني هاشم ، وأنهم النحل ، وأن الشراب القرآن والحكمة ، وقد ذكر بعضهم هذا في مجلس المنصور أبي جعفر العباسي : فقال له رَجل ممن حضر : جعل الله طعامك وشرابك مما يخرج من بطون بني هاشم ، فأضحك الحاضرين ، وبُهت الآخر ، وظهرت سخافة قوله ، وباقي الآية بين .