Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 82-85)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه الآية فيها موادعة نسختها آية السيف ، والمعنى إن أعرضوا فلست بقادر على خلق الإيمان في قلوبهم ، وإنما عليك أن تبين وتبلغ أمر الله ونهيه ، ثم قرعهم ووبخهم بأنهم يعرفون نعمة الله في هذه الأشياء المذكورة ، ويقرون أنها من عنده ثم يكفرون به تعالى ، وذلك فعل المنكر للنعمة الجاحد لها ، هذا قول مجاهد ، فسماهم منكرين للنعمة تجوزاً ، إذ كانت لهم أفعال المنكر من الكفر برب النعمة وتشريكهم في النعمة الأوثان على وجه ما ، وهو ما كانوا يعتقدون للأوثان من الأفعال من الضر والنفع ، وقال السدي : " النعمة " هاهنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ووصفهم تعالى بأنهم يعرفون بمعجزاته وآيات نبوته وينكرون ذلك بالتكذيب ، ورجحه الطبري ، ثم حكم على أكثرهم بالكفر وهم أهل مكة ، وذلك أنه كان فيهم من قد داخله الإسلام ، ومن أسلم بعد ذلك ، وقوله { ويوم نبعث } الآية وعيد ، والتقدير واذكر يوم نبعث ويرد { شهيداً } على كفرهم وإِيمانهم ، فـ " شهيد " بمعنى ، شاهد وذكر الطبري أن المعنى ثم ينكرونها اليوم { ويوم نبعث من كل أمة شهيداً } ، أي ينكرون كفرهم فيكذبهم الشهيد وقوله { ثم لا يؤذن } أي لا يؤذن لهم في المعذرة ، وهذا في موطن دون موطن ، لأن في القرآن أن { كل نفس تأتي تجادل عن نفسها } [ النحل : 111 ] ويترتب أن تجيء كل نفس تجادل فإذا استقرتَ أقوالهم بعث الله الشهود من الأمم فتكذب الكفار ، فلم يؤذن للمكذبين بعد في معذرة ، و { يستعتبون } معناه يعتبون ، يقال أعتبت الرجل إذا كفيته ما عتب فيه ، كما تقول أشكيته إذا كفيته ما شكا ، فكأنه قال ولا هم يكفون ما يعتبون فيه ويشق عليهم والعرب تقول استفعل بمعنى أفعل ، تقول أدنيت الرجل واستدنيته وقال قوم معناه لا يسألون أن يرجعوا عما كانوا عليه في الدنيا . قال القاضي أبو محمد : فهذا استعتاب معناه طلب عتابهم ، وقال الطبري معنى { يستعتبون } يعطون الرجوع إلى الدنيا فيقع منهم توبة عمل . وقوله { وإذا رأى الذين ظلموا العذاب } الآية ، أخبر الله تعالى في هذه الآية أن هؤلاء الكفرة الظالمين في كفرهم إذا أراهم الله عذاب الله وشارَفُوها وتحققوا كنه شدتها ، فإن ذلك الأمر الهائل الذي نزل بهم لا يخفف بوجه ولا يؤخر عنهم ، وإنما مقصد الآية الفرق بين ما يحل بهم وبين رزايا الدنيا ، فإن الإنسان لا يتوقع أمراً من خطوب الدنيا إلا وله طمع في أن يتأخر عنه وفي أن يجيئه في أخف ما يتوهم برجائه ، وكذلك متى حل به كان طامعاً في أن يخف ، وقد يقع ذلك في خطوب الدنيا كثيراً ، فأخبر الله تعالى أن عذاب الآخرة إذا عاينه الكافر لا طماعية فيه بتخفيف ولا بتأخير .