Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 80-81)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه آية تعديد نعمة الله على الناس في البيوت ، فذكر أولاً بيوت التمدن وهي التي للإقامة الطويلة وهي أعظم بيوت الإنسان ، وإن كان الوصف بـ { سكناً } يعم جميع البيوت ، والسكن مصدر يوصف به الواحد ، ومعناه يسكن فيها وإليها ثم ذكر تعالى بيوت النقلة والرحلة ، وقوله { وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً } يحتمل أن يعم به بيوت الأدم وبيوت الشعر وبيوت الصوف ، لأن هذه هي من الجلود ، لكونها نابتة فيها ، نحا إلى ذلك ابن سلام ، ويكون قوله { ومن أصوافها } عطفاً على قوله { من جلود الأنعام } ، أي جعل بيوتاً أيضاً ، ويكون قوله { أثاثاً } نصباً على الحال ، و { تستخفونها } أي تجدونها خفافاً وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو " ظعَنكم " بفتح العين ، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي " ظعْنكم " بسكون العين ، وهما لغتان ، وليس بتخفيف ، و " ظعن " معناه رحل والأصواف للغنم ، والأوبار للإبل ، والأشعار للمعز والبقر ، ولم تكن بلادهم بلاد قطن وكتان فلذلك اقتصر على هذه ، ويحتمل أن ترك ذلك القطن والحرير والكتان إعراضاً عن ذلك السرف ، إذ ملبس عباد الله الصالحين إنما هو الصوف ، وأيضاً فقد أشير إلى القطن والحرير والكتان في لفظ السرابيل ، والأثاث متاع البيت واحدتها أثاثة ، هذا قول أبي زيد الأنصاري ، وقال غيره الأثاث جميع أنواع المال ولا واحد له من لفظه . قال القاضي أبو محمد : والاشتقاق يقوي هذا المعنى الأعم : لأن حال الإنسان تكون بالمال أثيثة ، تقول شعر أثيث ونبات أثيث إذا كثر والتف ، وقوله { إلى حين } يريد به وقتاً غير معين ، وهو بحسب كل إنسان إما بموته وإما بفقد تلك الأشياء التي هي أثاث ، ومن هذه اللفظة قول الشاعر : [ الوافر ] @ أهاجتك الظعائن يوم بانوا بذي الزيّ الجميل من الأثاث @@ وقوله : { والله جعل لكم مما خلق ظلالاً وجعل لكم من الجبال أكناناً وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر } الآية ، نعم عددها الله عليهم بحسب أحوالهم وبلادهم ، وأنها الأشياء المباشرة لهم ، لأن بلادهم من الحرارة وقهر الشمس بحيث للظل غناء عظيم ونفع ظاهر ، وقوله { مما خلق } يعم جميع الأشخاص المظلة ، و " الأكنان " جمع كن وهو الحافظ من المطر والريح وغير ذلك ، و " السرابيل " جميع ما يلبس على جميع البدن كالقميص والقرقل ، والمجول والدرع والجوشن والخفتان ونحوه ، وذكر وقاية الحر إذا هو أمس في تلك البلاد على ما ذكرنا ، والبرد فيها معدوم في الأكثر ، وإذا جاء في الشتوات فإنما يتوقى بما هو أكثف من السربال المتقدم الذكر ، فتبقى السرابيل لتوقي الحر فقط ، قاله الطبري عن عطاء الخراساني ، الا ترى أن الله قد نبههم إلى العبرة في البرد ولم يذكر لهم الثلج لأنه ليس في بلادهم ، قال ابن عباس : إن الثلج شيء أبيض ينزل من السماء ما رأيته قط . قال القاضي أبو محمد : وأيضاً فذكر أحدهما يدل على الآخر ، ومنه قول الشاعر : @ وما أدري إذا يممت أرضاً أريد الخير أيهما يليني @@ قال القاضي أبو محمد : وهذه التي ذكرناها هي بلاد الحجاز ، وإلا ففي بلاد العرب ما فيه برد شديد ، ومنه قول متمم : @ إذ القشع من برد الشتاء تقعقعا . @@ ومنه قول الآخر : @ في ليلة من جمادى ذات أندية . @@ البيتين ، وغير هذا ، والسرابيل التي تقي البأس هي الدرع ، ومنه قول كعب بن زهير : [ البسيط ] @ شم العرانين أبطال لبوسهمُ من نسج داود في الهيجا سرابيل @@ وقال أوس بن حجر : @ ولنعم حشو الدرع والسربال @@ فهذا يراد به القميص ، و " البأس " مس الحديد في الحرب ، وقرأ الجمهور " يتم نعمته " ، وقرأ ابن عباس " تتم نعمته " على أن النعمة هي تتم ، وروي عنه " تتم نعمه " على الجمع وقرأ الجمهور " تسلمون " من الإسلام ، وقرأ ابن عباس " تَسلمون " من السلامة ، فتكون اللفظة مخصوصة في بأس الحرب ، وما في " لعل " من الترجي والتوقع فهو في حيز البشر المخاطبين ، أي لو نظر الناظر هذه الحال لترجى منها إسلامهم .