Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 90-91)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : أجمل آية في كتاب الله آية في سورة النحل ، وتلا هذه الآية ، وروي عن عثمان بن مظعون رضي الله عنه أنه قال : لما نزلت هذه الآية قرأتها على علي بن أبي طالب ، فتعجب وقال : يا آل غالب ، اتبعوه تفلحوا فوالله ، إن الله أرسله ليأمر بمكارم الأخلاق ، وحكى النقاش قال : يقال زكاة العدل الإحسان ، وزكاة القدرة العفو ، وزكاة الغنى المعروف ، وزكاة الجاه كتب الرجل إلى إخوانه . قال القاضي أبو محمد : و { العدل } هو فعل كل مفروض من عقائد وشرائع وسير مع الناس في أداء الأمانات ، وترك الظلم ، والإنصاف وإعطاء الحق ، { والإحسان } هو فعل كل مندوب إليه ، فمن الأشياء ما هو كله مندوب إليه ، ومنها ما هو فرض ، إلا أن حد الاجزاء منه داخل في العدل ، والتكميل الزائد على حد الاجزاء داخل في الإحسان ، وقال ابن عباس فيما حكى الطبري : { العدل } لا إله إلا الله ، و { الإحسان } أداء الفرائض . قال القاضي أبو محمد : وفي هذا القسم الأخير نظر ، لأن أداء الفرائض هي الإسلام حسبما فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث سؤال جبريل عليه السلام ، وذلك هو العدل ، وإنما الإحسان التكميلات والمندوب إليه ، حسبما يقتضيه تفسير النبي صلى الله عليه وسلم أنه في حديث سؤال جبريل عليه السلام ، بقوله : " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " ، فإن صح هذا عن ابن عباس فإنما أراد أداء الفرائض مكملة { وإيتاء ذي القربى } لفظ يقتضي صلة الرحم ويعم جميع إسداء الخير إلى القرابة ، وتركه مبهماً أبلغ ، لأن كل من وصل في ذلك إلى غاية وإن علت يرى أنه مقصر ، وهذا المعنى المأمور به في جانب { ذي القربى } داخل تحت { العدل } و { الإحسان } ، لكنه تعالى خصه بالذكر اهتماماً به وخضاً عليه ، و { الفحشاء } الزنى ، قاله ابن عباس . قال القاضي أبو محمد : وغيره من المعاصي التي شنعتها ظاهرة وفاعلها أبداً متستر بها ، وكأنهم خصوها بمعاني الفروج ، والمنكر أعم منه ، لأنه يعم جميع المعاصي والرذائل والإذايات على اختلاف أنواعها ، و { البغي } هو إنشاء ظلم الإنسان والسعاية فيه ، وهو داخل تحت { المنكر } لكنه تعالى خصه بالذكر اهتماماً به لشدة ضرره بالناس ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ذنب أسرع عقوبة من بغي " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " الباغي مصروع ، وقد وعد الله تعالى من بُغِي عليه بالنصر " ، وفي بعض الكتب المنزلة : لو بغى جبل على جبل لجعل الله الباغي منهما دكاً . قال القاضي أبو محمد : وتغيير المنكر فرض على الولاة ، إلا أن المغير لا يعنّ لمستور ، ولا يعمل ظناً ، ولا يتجسس ، ولا يغير إلا ما بدت صفحته ، ويكون أمره ونهيه بمعروف ، وهذا كله لغير الولاة ألزم وفرض على المسلمين عامة ، ما لم يخف المغير إذاية أو ذلاً ، ولا يغير المؤمن بيده ما وجد سلطاناً ، فإن عدمه غير بيده ، إلا أنه لا يصل إلى نصب القتال والمدارأة وإعمال السلاح إلا مع الرياسة والإمام المتبع ، وينبغي للناس أن يغير المنكر منهم كل أحد تقي وغير تقي ، ولو لم يغير إلا تقي لم يتغير منكر في الأغلب ، وقد ذم الله تعالى قوماً بأنهم لم يتناهوا عن منكر فعلوه ، فقد وصفهم بفعله وذمهم لما لم يتناهوا عنه وكل منكر فيه مدخل للنظر فلا مدخل لغير حملة العلم فيه ، فهذه نبذة من القول في تغيير المنكر تضمنت ثمانية شروط ، وروي أن جماعة رفعت على عاملها إلى أبي جعفر المنصور العباسي ، فحاجها العامل وغلبها بأنهم لم يبينوا عليه كبيرة ظلم ، ولا جوروه له في شيء ، فقام فتى من القوم ، فقال يا أمير المؤمنين : إن الله أمر { بالعدل والإحسان } ، وأنه عدل ولم يحسن ، قال : فعجب أبو جعفر من إصابته وعزل العامل ، وقوله { وأوفوا بعهد الله } ، الآية مضمن قوله { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } الآية ، افعلوا كذا وانتهوا عن كذا ، فعطف على ذلك التقدير قوله { وأوفوا } ، و " عهد الله " لفظ عام لجميع ما يعقد باللسان ويلتزمه الإنسان من بيع أو صلة أو مواثقة في أمر موافق للديانة ، وبالجملة كل ما كان طاعة بين العاهد وبين ربه ، كان فيه نفع للغير أو لم يكن ، وقوله { ولا تنقضوا الأيمان } خص في هذه الألفاظ العهود التي تقترن بها أيمان تهمماً بها وتنبيهاً عليها . قال القاضي أبو محمد : وهذا في كل ما كان الثبوت فيه على اليمين طاعة لله وما كان الانصراف عنه أصوب في الحق فهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حلف على يمين ثم رأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير " ويقال تأكيد وتوكيد ووكد وأكد وهما لغتان ، وقال الزجاج : الهمزة مبدلة من الواو . قال القاضي أبو محمد : وهذا غير بين ، لأنه ليس في وجوه تصريفه ما يدل على ذلك ، و { كفيلاً } معناه متكفلاً بوفائكم ، وباقي الآية وعيد في ضمن خبر بعلم الله تعالى بأفعال عباده ، وقالت فرقة : نزلت هذه الآية في الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام ، رواه أبو ليلى عن مزيدة ، وقال قتادة ومجاهد وابن زيد : نزلت فيما كان من تحالف الجاهلية في أمر بمعروف أو نهي عن منكر ، فزادها الإسلام شدة . قال القاضي أبو محمد : كما قال صلى الله عليه وسلم : " لا حلف في الإسلام وما كان من حلف في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة " ، وهذا حديث معنى ، وإن كان السبب بعض هذه الأشياء ، فألفاظ الآية عامة على جهة مخاطبة العالمين أجمعين .