Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 35-36)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ اسكن } معناه لازم الإقامة ، ولفظه لفظ الأمر ومعناه الإذن ، و { أنت } تأكيد للضمير الذي في { اسكن } ، { وزوجك } عطف عليه والزوج امرأة الرجل وهذا أشهر من زوجة ، وقد تقدم ، و { الجنة } البستان عليه حظيرة ، واختلف في الجنة التي أسكنها آدم ، هل هي جنة الخلد أو جنة أعدت لهما ؟ وذهب من لم يجعلها جنة الخلد إلى أن من دخل جنة الخلد لا يخرج منها ، وهذا لا يمتنع ، إلا أن السمع ورد أن من دخلها مثاباً لا يخرج منها ، وأما من دخلها ابتداء كآدم فغير مستحيل ولا ورد سمع بأنه لا يخرج منها . واختلف متى خلقت حواء من ضلع آدم عليه السلام ؟ فقال ابن عباس " حين أنبأ الملائكة بالأسماء وأسجدوا له ألقيت عليه السنة وخلقت حواء ، فاستيقظ وهي إلى جانبه " فقال فيما يزعمون : لحمي ودمي ، وسكن إليها ، فذهبت الملائكة لتجرب علمه ، فقالوا له يا آدم ما اسمها ؟ قال : حواء . قالوا : ولم ؟ قال : لأنها خلقت من شيء حي ، ثم قال الله له : { اسكن أنت وزوجك الجنة } . وقال ابن مسعود وابن عباس أيضاً : لما أسكن آدم الجنة مشى فيها مستوحشاً ، فلما نام خلقت حواء من ضلعه القصيرى ، ليسكن إليها ويستأنس بها ، فلما انتبه رآها ، فقال : من أنت ؟ قالت : امرأة خلقت من ضلعك لتسكن إلي ، وحذفت النون من { كلا } للأمر ، والألف الأولى لحركة الكاف حين حذفت الثانية لاجتماع المثلين وهو حذف شاذ ، ولفظ هذا الأمر بـ { كلا } معناه الإباحة ، بقرينة قوله : { حيث شئتما } والضمير في { منها } عائد على { الجنة } . وقرأ ابن وثاب والنخعي " رغْداً " بسكون الغين ، والجمهور على فتحها ، والرغد العيش الدارّ الهنيّ الذي لا عناء فيه ، ومنه قول امرىء القيس : [ الرمل ] . @ بينما المرء تراه ناعماً يأمن الأحداث في عيشٍ رَغَدْ @@ و { رغداً } منصوب على الصفة لمصدر محذوف وقيل : هو نصب على المصدر في موضع الحال ، و { حيث } مبنية على الضم ، ومن العرب من يبنيها على الفتح ، ومن العرب من يعربها حسب موضعها بالرفع والنصب والخفض ، كقوله سبحانه : { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } [ الأعراف : 82 ، القلم : 44 ] ومن العرب من يقول " حوث " ، و { شئتما } أصله شيأتما حوّل إلى فعلتما تحركت ياؤه وانفتح ما قبلها جاء شائتما ، حذفت الألف الساكنة الممدودة للالتقاء وكسرت الشين لتدل على الياء فجاء شئتما . قال القاضي أبو محمد : هذا تعليل المبرد ، فأما سيبويه فالأصل عنده شيئتما بكسر الياء ، نقلت حركة الياء إلى الشين ، وحذفت الياء بعد . وقوله تعالى : { ولا تقربا هذه الشجرة } معناه لا تقرباها ، بأكل ، لأن الإباحة فيه وقعت . قال بعض الحذاق : " إن الله لما أراد النهي عن أكل الشجرة نهى عنه بلفظة تقتضي الأكل وما يدعو إليه وهو القرب " . قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وهذا مثال بين في سد الذرائع . وقرأ ابن محيصن هذي على الأصل ، والهاء في هذه بدل من الياء ، وليس في الكلام هاء تأنيث مكسور ما قبلها غير هذه ، وتحتمل هذه الإشارة أن تكون إلى شجرة معينة واحدة ، أو إلى جنس . وحكى هارون الأعور عن بعض العلماء قراءة " الشِّجرة " بكسر الشين و " الشجر " كل ما قام من النبات على ساق . واختلف في هذه { الشجرة } التي نهى عنها ما هي ؟ فقال ابن مسعود وابن عباس : " هي الكَرْم ولذلك حرمت علينا الخمر " . وقال ابن جريج عن بعض الصحابة : " هي شجرة التين " . وقال ابن عباس أيضاً وأبو مالك وعطية وقتادة : " هي السنبلة وحبها ككلى البقر ، أحلى من العسل ، وألين من الزبد " . وروي عن ابن عباس أيضاً : " أنها شجرة العلم ، فيها ثمر كل شيء " . قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف لا يصح عن ابن عباس . وحكى الطبري عن يعقوب بن عتبة : " أنها الشجرة التي كانت الملائكة تحنك بها للخلد " . قال القاضي أبو محمد : وهذا أيضاً ضعيف . قال : " واليهود تزعم أنها الحنظلة ، وتقول : إنها كانت حلوة ومُرَّت من حينئذ " . قال القاضي أبو محمد وليس في شيء من هذا التعيين ما يعضده خبر ، وإنما الصواب أن يعتقد أن الله تعالى نهى آدم عن شجرة فخالف هو إليها وعصى في الأكل منها ، وفي حظره تعالى على آدم الشجرة ما يدل على أن سكناه في الجنة لا يدوم ، لأن المخلد لا يحظر عليه شيء ، ولا يؤمر ولا ينهى . وقيل إن هذه الشجرة كانت خصت بأن تحوج آكلها إلى التبرز ، فلذلك نهي عنها فلما أكل منها ولم تكن الجنة موضع تبرز أهبط إلى الأرض . وقوله { فتكونا } في موضع جزم على العطف على { لا تقربا } ، ويجوز فيه النصب على الجواب ، والناصب عند الخليل وسيبويه " أن المضمرة " ، وعند الجرمي الفاء ، والظالم في اللغة الذي يضع الشيء غير موضعه ، ومنه قولهم : " من أشبه أباه فما ظلم " ومنه " المظلومة الجلد " لأن المطر لم يأتها في وقته ، ومنه قول عمرو بن قمئة : [ الكامل ] @ ظلم البطاح بها انهلالُ حريصةٍ فصفا النطافُ له بعيدَ المقلعِ @@ والظلم في أحكام الشرع على مراتب ، أعلاها الشرك ، ثم ظلم المعاصي وهي مراتب ، وهو في هذه الآية يدل على أن قوله : { ولا تقربا } على جهة الوجوب ، لا على الندب ، لأن من ترك المندوب لا يسمى ظالماً ، فاقتضت لفظة الظلم قوة النهي ، و " أزلهما " مأخوذ من الزلل ، وهو في الآية مجاز ، لأنه في الرأي والنظر ، وإنما حقيقة الزلل في القدم . قال أبو علي : { فأزلهما } يحتمل تأويلين ، أحدهما ، كسبهما الزلة ، والآخر أن يكون من زل إذا عثر " . وقرأ حمزة : " فأزالهما " ، مأخوذ من الزوال ، كأنه المزيل لما كان إغواؤه مؤدياً إلى الزوال . وهي قراءة الحسن وأبي رجاء ، ولا خلاف بين العلماء أن إبليس اللعين هو متولي إغواء آدم . واختلف في الكيفية ، فقال ابن عباس وابن مسعود وجمهور العلماء : أغواهما مشافهة ، ودليل ذلك قوله تعالى : { وقاسمهما } والمقاسمة ظاهرها المشافهة . وقال بعضهم : إن إبليس لما دخل إلى آدم كلمه في حاله ، فقال : يا آدم ما أحسن هذا لو أن خلداً كان ، فوجد إبليس السبيل إلى إغوائه ، فقال : هل أدلك على شجرة الخلد ؟ . وقال بعضهم : دخل الجنة في فم الحية وهي ذات أربع كالبختية ، بعد أن عرض نفسه على كثير من الحيوان فلم تدخله إلا الحية ، فخرج إلى حواء وأخذ شيئاً من الشجرة ، وقال : انظري ما أحسن هذا فأغواها حتى أكلت ، ثم أغوى آدم ، وقالت له حواء : كل فإني قد أكلت فلم يضرني فأكل فبدت لهما سوءاتهما ، وحصلا في حكم الذنب ، ولعنت الحية وردت قوائمها في جوفها ، وجعلت العداوة بينها وبين بني آدم ، وقيل لحواء : كما أدميت الشجرة فكذلك يصيبك الدم في كل شهر ، وكذلك تحملين كرهاً ، وتضعين كرهاً ، تشرفين به على الموت مراراً . زاد الطبري والنقاش : " وتكونين سفيهة ، وقد كنت حليمة " . وقالت طائفة : إن إبليس لم يدخل الجنة إلى آدم بعد أن أخرج منها ، وإنما أغوى آدم بشيطانه وسلطانه ووساوسه التي أعطاه الله تعالى ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم " . والضمير في { عنها } عائد على { الشجرة } في قراءة من قرأ " أزلهما " ، ويحتمل أن يعود على { الجنة } فأما من قرأ " أزالهما " فإنه يعود على { الجنة } فقط ، وهنا محذوف يدل عليه الظاهر ، تقديره فأكلا من الشجرة . وقال قوم : " أكلا من غير التي أشير إليها فلم يتأولا النهي واقعاً على جميع جنسها " . وقال آخرون : " تأولا النهي على الندب " . وقال ابن المسيب : " إنما أكل آدم بعد أن سقته حواء الخمر فكان في غير عقله " . وقوله تعالى : { فأخرجهما مما كانا فيه } يحتمل وجوهاً ، فقيل أخرجهما من الطاعة إلى المعصية . وقيل : من نعمة الجنة إلى شقاء الدنيا . وقيل : من رفعة المنزلة إلى سفل مكانة الذنب . قال القاضي أبو محمد : وهذا كله يتقارب . وقرأ أبو حيوة : " اهبُطوا " بضم الباء . " ويفعُل " كثير في غير المتعدي وهبط غير متعدٍّ . والهبوط النزول من علو إلى أسفل . واختلف من المخاطب بالهبوط ، فقال السدي وغيره : " آدم وحواء وإبليس والحية " . وقال الحسن : " آدم وحواء والوسوسة " . قال غيره : " والحية لأن إبليس قد كان أهبط قبل عند معصيته " . و { بعضكم لبعض عدو } جملة في موضع الحال ، وإفراد لفظ { عدو } من حيث لفظ { بعض } ، وبعض وكل تجري مجرى الواحد ، ومن حيث لفظة { عدو } تقع للواحد ، والجمع ، قال الله تعالى : { هم العدو فاحذرهم } [ المنافقون : 4 ] { ولكم في الأرض مستقر } أي موضع استقرار قاله أبو العالية وابن زيد . وقال السدي : " المراد الاستقرار في القبور ، والمتاع ما يستمتع به من أكل ولبس وحياة ، وحديث ، وأنس ، وغير ذلك " . وأنشد سليمان بن عبد الملك حين وقف على قبر ابنه أيوب إثر دفنه : [ الطويل ] @ وقفتُ على قبرٍ غريب بقفرة متاع قليل من حبيب مفارق @@ واختلف المتأولون في الحين هاهنا فقالت فرقة : إلى الموت ، وهذا قول من يقول المستقر هو المقام في الدنيا ، وقالت فرقة : { إلى حين } إلى يوم القيامة ، وهذا قول من يقول : المستقر هو في القبور . ويترتب أيضاً على أن المستقر في الدنيا أن يراد بقوله : { ولكم } ، أي لأنواعكم في الدنيا استقرار ومتاع قرناً بعد قرن إلى يوم القيامة ، والحين المدة الطويلة من الدهر ، أقصرها في الأيمان والالتزامات سنة . قال الله تعالى : { تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها } [ إبراهيم : 25 ] وقد قيل : أقصرها ستة أشهر ، لأن من النخل ما يثمر في كل ستة أشهر ، وقد يستعمل الحين في المحاورات في القليل من الزمن . وفي قوله تعالى : { إلى حين } فائدة لآدم عليه السلام ، ليعلم أنه غير باق فيها ومنتقل إلى الجنة التي وعد بالرجوع إليها ، وهي لغير آدم دالة على المعاد . وروي أن آدم نزل على جبل من جبال سرنديب وأن حواء نزلت بجدة ، وأن الحية نزلت بأصبهان ، وقيل بميسان ، وأن إبليس نزل على الأبلة .