Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 33-34)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أنبئهم } معناه أخبرهم ، وهو فعل يتعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف جر وقد يحذف حرف الجر أحياناً ، تقول نبئت زيداً . قال سيبويه : معناه نبئت عن زيد . والضمير في { أنبئهم } عائد على الملائكة بإجماع ، والضمير في أسمائهم مختلف فيه حسب الاختلاف في الأسماء التي علمها آدم . قال أبو علي : " كلهم قرأ " أنبئهُم " بالهمز وضم الهاء ، إلا ما روي عن ابن عامر ، " أنبئِهم " بالهمز وكسر الهاء ، وكذلك روى بعض المكيين عن ابن كثير ، وذلك على إتباع كسرة الهاء لكسرة الباء ، وإن حجز الساكن فحجزه لا يعتد به " . قال أبو عمرو الداني : " وقرأ الحسن والأعرج : " أنبيهم " بغير همز " . قال ابن جني : " وقرأ الحسن أنبهِم " ، على وزن " أعطهِم " ، وقد روي عنه ، " انبيهم " بغيرهمز " . قال أبو عمرو : " وقد روي مثل ذلك عن ابن كثير من طريق القواس " . قال أبو الفتح : أما قراءة الحسن ، " أنبهم " " كأعطهم " فعلى إبدال الهمزة ياء ، على أنك تقول " أنبيت " كأعطيت ، وهذا ضعيف في اللغة ، لأنه بدل لا تخفيف والبدل عندنا لا يجوز إلا في ضرورة شعر . قال بعض العلماء : إن في قوله تعالى : { فلما أنبأهم } نبوة لآدم عليه السلام ، إذ أمره الله أن ينبىء الملائكة بما ليس عندهم من علم الله عز وجل . ويجوز فتح الياء من " إني " وتسكينها . قال الكسائي : " رأيت العرب إذا لقيت عندهم الياء همزه فتحوها " . قال أبو علي : " كان أبو عمرو يفتح ياء الإضافة المكسور ما قبلها عند الهمزة المفتوحة والمكسورة ، إذا كانت متصلة باسم ، أو بفعل ، ما لم يطل الحرف فإنه يثقل فتحها ، نحو قوله تعالى : { ولا تفتني ألا } [ التوبة : 49 ] وقوله تعالى : { فاذكروني أذكركم } [ البقرة : 152 ] ، والذي يخف ، { إني أرى } [ الأنفال : 48 ، يوسف : 43 ، الصافات : 102 ] و { أجري إلا على الله } [ يونس : 72 ، هود : 29 ، سبأ : 47 ] . وقوله تعالى : { أعلم غيب السموات والأرض } معناه : ما غاب عنكم ، لأن الله لا غيب عنده من معلوماته وما في موضع نصب " بأعلم " . قال المهدوي : ويجوز أن يكون قوله { أعلم } اسماً بمعنى التفضيل في العلم ، فتكون { ما } في موضع خفض بالإضافة . قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : فإذا قدر الأول اسماً فلا بد بعده من إضمار فعل ينصب { غيب } ، تقديره إني أعلم من كل أعلم غيب ، وكونها في الموضعين فعلاً مضارعاً أخصر وأبلغ . واختلف المفسرون في قوله تعالى : { ما تبدون وما كنتم تكتمون } فقالت طائفة : ذلك على معنى العموم في معرفة أسرارهم وظواهرهم وبواطنهم أجمع . وحكى مكي أن المراد بقول { ما تبدون } قولهم : { أتجعل فيها } الآية . وحكى المهدوي أن { ما تبدون } قولهم : ليخلق ربنا ما شاء فلن يخلق أعلم منا ولا أكرم عليه ، فجعل هذا مما أبدوه لما قالوه . وقال الزهراوي : " ما أبدوه هو بدارهم بالسجود لآدم " . واختلف في المكتوم فقال ابن عباس وابن مسعود : المراد ما كتمه إبليس في نفسه من الكبر والكفر ، ويتوجه قوله { تكتمون } للجماعة والكاتم واحد في هذا القول على تجوز العرب واتساعها ، كما يقال لقوم قد جنى سفيه منهم : أنتم فعلتم كذا ، أي منكم فاعله . قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهذا مع قصد تعنيف ، ومنه قوله تعالى : { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون } [ الحجرات : 4 ] وإنما ناداه منهم عيينة ، وقيل الأقرع ، وقال قتادة : المكتوم هو ما أسره بعضهم إلى بعض من قولهم : ليخلق ربنا ما شاء ، فجعل هذا فيما كتموه لما أسروه ، - { وإذ } من قوله : { وإذ قلنا } معطوف على { إذ } المتقدمة . وقول الله تعالى وخطابه للملائكة متقرر قديم في الأزل ، بشرط وجودهم وفهمهم ، وهذا هو الباب كله في أوامر الله سبحانه ونواهيه ومخاطباته و { قلنا } كناية العظيم عن نفسه بلفظ الجمع ، وقوله للملائكة عموم فيهم . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع : " للملائكةُ اسجدوا " برفع تاء للملائكة إتباعاً لضمة ثالث المستقبل . قال أبو علي : " وهذا خطأ " . وقال الزجاج : " أبو جعفر من رؤساء القرأة ولكنه غلط في هذا " . قال أبو الفتح : لأن الملائكة في موضع جر فالتاء مكسورة كسرة إعراب ، وهذا الذي ذهب إليه أبو جعفر إنما يجوز إذا كان ما قبل الهمزة حرفاً ساكناً صحيحاً ، نحو قوله تعالى : { وقالت اخرج عليهن } [ يوسف : 31 ] والسجود في كلام العرب الخضوع والتذلل ، ومنه قول الشاعر [ زيد الخيل ] : [ الطويل ] @ ترى الأُكْمَ فيهِ سُجَّداً للحوافرِ @@ وغايته وضع الوجه بالأرض ، والجمهور على أن سجود الملائكة لآدم إيماء وخضوع ، ذكره النقاش وغيره ، ولا تدفع الآية أن يكونوا بلغوا غاية السجود . قوله تعالى : { فقعوا له ساجدين } [ الحجر : 29 ] لا دليل فيه لأن الجاثي على ركبتيه واقع . واختلف في حال السجود لآدم ، فقال ابن عباس : " تعبدهم الله بالسجود لآدم ، والعبادة في ذلك لله " . وقال علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس : " إنما كان سجود تحية كسجود أبوي يوسف عليه السلام ، لا سجود عبادة " . وقال الشعبي : " إنما كان آدم كالقبلة ، ومعنى لآدم إلى آدم " . قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وفي هذه الوجوه كلها كرامة لآدم عليه السلام . وحكى النقاش عن مقاتل : " أن الله إنما أمر الملائكة بالسجود لآدم قبل أن يخلقه " . قال : " والقرآن يرد على هذا القول " . وقال قوم : سجود الملائكة كان مرتين ، والإجماع يرد هذا . وقوله تعالى : { إلا إبليس } نصب على الاستثناء المتصل ، لأنه من الملائكة على قول الجمهور ، وهو ظاهر الآية ، وكان خازناً وملكاً على سماء الدنيا والأرض ، والأرض ، واسمه عزازيل ، قاله ابن عباس . وقال ابن زيد والحسن : " هو أبو الجن كما أن آدم أبو البشر ، ولم يكن قط ملكاً " . وقد روي نحوه عن ابن عباس أيضاً ، قال : " واسمه الحارث " . وقال شهر بن حوشب : كان من الجن الذين كانوا في الأرض وقاتلتهم الملائكة فسبوه صغيراً ، وتعبد وخوطب معها ، وحكاه الطبري عن ابن مسعود : والاستثناء على هذه الأقوال منقطع ، واحتج بعض أصحاب هذا القول بأن الله تعالى قال صفة للملائكة : " لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون " . ورجح الطبري قول من قال : " إن إبليس كان من الملائكة " . وقال : " ليس في خلقه من نار ولا في تركيب الشهوة والنسل فيه حين غضب عليه ما يدفع أنه كان من الملائكة " . وقوله عز وجل : { كان من الجن ففسق عن أمر ربه } [ الكهف : 50 ] يتخرج على أنه عمل عملهم فكان منهم في هذا ، أو على أن الملائكة قد تسمى جناً لاستتارها ، قال تعالى : { وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً } [ الصافات : 158 ] . وقال الأعشى في ذكر سليمان عليه السلام : [ الطويل ] @ وسخّر من جن الملائك تسعة قياماً لديه يعملون بلا أجْرِ @@ أو على أن يكون نسبهم إلى الجنة كما ينسب إلى البصرة بصريّ ، لما كان خازناً عليها ، و { إبليس } لا ينصرف لأنه اسم أعجمي معرف . قال الزجاج : " ووزنه فِعْليل " . وقال ابن عباس والسّدي وأبو عبيدة وغيرهم : هو مشتق من أبلس إذا أبعد عن الخير ، ووزنه على هذا إفعيل ولم تصرفه هذه الفرقة لشذوذه ، وأجروه مجرى إسحاق من أسحقه الله ، وأيوب من آب يؤوب ، مثل قيوم من قام يقوم ، ولما لم تصرف هذه - ولها وجه من الاشتقاق - كذلك لم يصرف هذا وإن توجه اشتقاقه لقلته وشذوذه ، ومن هذا المعنى قول الشاعر العجاج : [ الرجز ] . @ يا صاح هل تعرف رسماً مكرسا قال نعمْ أعرفه وأبلسا @@ أي تغير وبعد عن العمار والإنس به ومثله قول الآخر : [ الرجز ] @ وفي الوجوه صفرة وإبلاس @@ ومنه قوله تعالى : { فإذا هم مبلسون } [ الأنعام : 44 ] أي يائسون عن الخير مبعدون منه فيما يرون - و { أبى } معناه امتنع من فعل ما أمر به ، و { استكبر } دخل في الكبرياء ، والإباية مقدمة على الاستكبار في ظهورهما عليه ، والاستكبار والأنفة مقدمة في معتقده . وروى ابن القاسم عن مالك أنه قال : بلغني أن أول معصية كانت الحسد والكبر والشح ، حسد إبليس آدم وتكبر ، وشح آدم في أكله من شجرة قد نهي عن قربها . حكى المهدوي عن فرقة أن معنى { وكان من الكافرين } : وصار من الكافرين . وقال ابن فورك : " وهذا خطأ ترده الأصول " . وقالت فرقة : " قد كان تقدم قبل من الجن من كفر فشبهه الله بهم وجعله منهم ، لما فعل في الكفر فعلهم " . وذكر الطبري عن أبي العالية أنه كان يقول : " وكان من الكافرين معناه : من العاصين " . قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وتلك معصية كفر لأنها عن معتقد فاسد صدرت . وروي أن الله تعالى خلق خلقاً وأمرهم بالسجود لآدم فعصوا فأحرقهم بالنار ، ثم خلق آخرين وأمرهم بذلك فعصوا فأحرقهم ، ثم خلق الملائكة فأمرهم بذلك فسجدوا . قال القاضي أبو محمد رحمه الله : والإسناد في مثل هذا غير وثيق . وقال جمهور المتأولين : معنى { وكان من الكافرين } أي في علم الله تعالى أنه سيكفر ، لأن الكافر حقيقة والمؤمن حقيقة هو الذي قد علم الله منه الموافاة . وذهب الطبري : إلى أن الله أراد بقصة إبليس تقريع أشباهه من بني آدم وهم اليهود الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، مع علمهم بنبوته ومع تقدم نعم الله عليهم وعلى أسلافهم ، واختلف هل كفر إبليس جهلاً أو عناداً على قولين بين أهل السنة ، ولا خلاف أنه كان عالماً بالله قبل كفره ، فمن قال إنه كفر جهلاً : قال : " إنه سلب العلم عند كفره " . ومن قال كفر عناداً قال : " كفر ومعه علمه " ، قال : والكفر عناداً مع بقاء العلم مستبعد ، إلا أنه عندي جائز لا يستحيل مع خذل الله لمن شاء . ولا خلاف أن الله تعالى أخرج إبليس عند كفره وأبعده عن الجنة ، وبعد إخراجه قال لآدم اسكن .