Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 42-46)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المعنى ولا تخلطوا ، يقال " لبَسْتُ الأمر " بفتح الباء ألبسه ، إذا خلطته ومزجت بينه بمشكله وحقه بباطله . وأما قول الشاعر : @ وكتيبة لبّستها بكتيبة @@ فالظاهر أنه من هذا المعنى ، ويحتمل أن يكون المعنى من اللباس ، واختلف أهل التأويل في المراد بقوله : { الحق بالباطل } . فقال أبو العالية : " قالت اليهود : محمد نبي مبعوث ، لكن إلى غيرنا ، فإقرارهم ببعثه حق وجحدهم أنه بعث إليهم باطل " . وقال الطبري : " كان من اليهود منافقون فما أظهروا من الإيمان حق ، وما أبطنوا من الكفر باطل " . وقال مجاهد : " معناه لا تخلطوا اليهودية والنصرانية بالإسلام " . وقال ابن زيد : المراد { بالحق } التوراة ، و " الباطل " ما بدلوا فيها من ذكر محمد عليه السلام ، و { تلبسوا } جزم بالنهي ، { وتكتموا } عطف عليه في موضع جزم ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بإضمار " أن " وإذا قدرت " أن " كانت مع { تكتموا } بتأويل المصدر ، وكانت الواو عاطفة على مصدر مقدر من { تلبسوا } ، كأن الكلام ولا يكن لبسكم الحق بالباطل وكتمانكم الحق . وقال الكوفيون : { تكتموا } نصب بواو الصرف ، و { الحق } يعني به أمر محمد صلى الله عليه وسلم " . وقوله تعالى : { وأنتم تعلمون } جملة في موضع الحال ولم يشهد لهم تعالى بعلم وإنما نهاهم عن كتمان ما علموا ، ويحتمل أن تكون شهادة عليهم بعلم حق مخصوص في أمر محمد عليه السلام ، ولم يشهد لهم بالعلم على الإطلاق ولا تكون الجملة على هذا في موضع الحال ، وفي هذه الألفاظ دليل على تغليظ الذنب على من واقعه على علم ، وأنه أعصى من الجاهل . { وأقيموا الصلاة } معناه : أظهروا هيئتها وأديموها بشروطها ، وذلك تشبيه بإقامة القاعد إلى حال ظهور ، ومنه قول الشاعر : [ الكامل ] @ وإذا يقال لم أتيتمُ يبرحوا حتى تقيمَ الخيلُ سوقَ طعان @@ وقد تقدم القول في الصلاة ، و { الزكاة } في هذه الآية هي المفروضة بقرينة إجماع الأمة على وجوب الأمر بها ، و { الزكاة } مأخوذة من زكا الشيء إذا نما وزاد ، وسمي الإخراج من المال زكاة وهو نقص منه من حيث ينمو بالبركة أو بالأجر الذي يثيب الله به المزكي وقيل { الزكاة } مأخوذة من التطهير ، كما يقال زكا فلان أي طهر من دنس الجرحة أو الاغفال ، فكأن الخارج من المال يطهره من تبعة الحق الذي جعل الله فيه للمساكين ، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى في الموطأ ما يخرج في الزكاة أوساخ الناس . وقوله تعالى : { واركعوا مع الراكعين } قال قوم : جعل الركوع لما كان من أركان الصلاة عبارة عن الصلاة كلها . وقال قوم : إنما خص الركوع بالذكر لأن بني إسرائيل لم يكن في صلاتهم ركوع . وقالت فرقة : إنما قال { مع } لأن الأمر بالصلاة أولاً لم يقتض شهود الجماعة ، فأمرهم بقوله { مع } بشهود الجماعة ، والركوع في اللغة الانحناء بالشخص . قال لبيد : [ الطويل ] @ أخبر أخبار القرون التي مضت أدبُّ كأني كلما قمت راكع @@ ويستعار أيضاً في الانحطاط في المنزلة ، قال الأضبط بن قريع : [ الخفيف ] @ لا تعاد الضعيف علك أن تر كع يوماً والدهر قد رفعه @@ وقوله تعالى : { أتأمرون الناس } خرج مخرج الاستفهام ، ومعناه التوبيخ ، و " البر " يجمع وجوه الخير والطاعات ويقع على كل واحد منها اسم بر ، { وتنسون } بمعنى تتركون كما قال الله تعالى : { نسوا الله فنسيهم } [ التوبة : 67 ] . واختلف المتأولون في المقصود بهذه الآية ، فقال ابن عباس : " كان الأحبار يأمرون أتباعهم ومقلديهم باتباع التوراة ، وكانوا هم يخالفونها في جحدهم منها صفة محمد صلى الله عليه وسلم " . وقالت فرقة : كان الأحبار إذا استرشدهم أحد من العرب في اتباع محمد دلوه على ذلك ، وهم لا يفعلونه . وقال ابن جريج : " كان الأحبار يحضون الناس على طاعة الله ، وكانوا هم يواقعون المعاصي " . وقالت فرقة : كانوا يحضون على الصدقة ويبخلون . وقوله تعالى : { وأنتم تتلون } معناه : تدرسون وتقرؤون ، ويحتمل أن يكون المعنى تتبعون أي في الاقتداء به ، و { الكتاب } التوراة وهي تنهاهم عما هم عليه من هذه الصفة الذميمة . وقوله تعالى : { أفلا تعقلون } معناه : أفلا تمنعون أنفسكم من مواقعة هذه الحال المردية لكم ؟ والعقل : الإدراك المانع من الخطأ مأخوذ منه عقال البعير ، أي يمنعه من التصرف ، ومنه المعقل أي موضع الامتناع . وقوله تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلاة } قال مقاتل : " معناه على طلب الآخرة " . وقال غيره : المعنى استعينوا بالصبر عن الطاعات وعن الشهوات على نيل رضوان الله ، وبالصلاة على نيل الرضوان وحط الذنوب ، وعلى مصائب الدهر أيضاً ، ومنه الحديث : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر فزع إلى الصلاة " ، ومنه ما روي أن عبد الله بن عباس نعي إليه أخوه قثم ، وهو في سفر ، فاسترجع وتنحى عن الطريق وصلى ثم انصرف إلى راحلته ، وهو يقرأ { واستعينوا بالصبر والصلاة } . وقال مجاهد : الصبر في هذه الآية الصوم ، ومنه قيل لرمضان شهر الصبر ، وخص الصوم والصلاة على هذا القول بالذكر لتناسبهما في أن الصيام يمنع الشهوات ويزهد في الدنيا ، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وتخشع . ويقرأ فيها القرآن الذي يذكر بالآخرة . وقال قوم : " الصبر " على بابه ، { والصلاة } الدعاء ، وتجيء هذه الآية على هذا القول مشبهة لقوله تعالى : { إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله } [ الأنفال : 45 ] لأن الثبات هو الصبر ، وذكر الله هو الدعاء . واختلف المتأولون في قوله تعالى : { وإنها لكبيرة } على أي شيء يعود الضمير ؟ فقيل على { الصلاة } ، وقيل على الاستعانة التي يقتضيها قوله { واستعينوا } ، وقيل على العبادة التي يتضمنها بالمعنى ذكر الصبر والصلاة . وقالت فرقة : على إجابة محمد صلى الله عليه وسلم . قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وفي هذا ضعف ، لأنه لا دليل له من الآية عليه . وقيل : يعود الضمير على الكعبة ، لأن الأمر بالصلاة إنما هو إليها . قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهذا أضعف من الذي قبله . و " كبيرة " معناه ثقيلة شاقة ، والخاشعون المتواضعون المخبتون ، والخشوع هيئة في النفس يظهر منها على الجوارح سكون وتواضع . و { يظنون } في هذه الآية قال الجمهور : معناه يوقنون . وحكى المهدوي وغيره : أن الظن هنا يصح أن يكون على بابه ، ويضمر في الكلام بذنوبهم ، فكأنهم يتوقعون لقاءه مذنبين . قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وهذا تعسف ، والظن في كلام العرب قاعدته الشك مع ميل إلى احد معتقديه ، وقد يوقع الظن موقع اليقين في الأمور المتحققة ، لكنه لا يوقع فيما قد خرج إلى الحس ، لا تقول العرب في رجل مرئي حاضر أظن هذا إنساناً وإنما تجد الاستعمال فيما لم يخرج إلى الحس بعد ، كهذه الآية ، وكقوله تعالى : { فظنوا أنهم مواقعوها } [ الكهف : 53 ] وكقول دريد بن الصمة : [ الطويل ] @ فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهُم بالفارسي المسرد @@ وقوله تعالى : { أنهم ملاقو ربهم } أن وجملتها تسد مسد مفعولي الظن ، والملاقاة هي للعقاب أو الثواب ، ففي الكلام حذف مضاف ، ويصح أن تكون الملاقاة هنا بالرؤية التي عليها أهل السنة ، وورد بها متواتر الحديث . وحكى المهدوي : أن الملاقاة هنا مفاعلة من واحد ، مثل عافاك الله . قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهذا قول ضعيف ، لأن لقي يتضمن معنى لاقى ، وليست كذلك الأفعال كلها ، بل فعل خلاف فاعل في المعنى . { وملاقو } أصله ملاقون ، لأنه بمعنى الاستقبال فحذفت النون تخفيفاً ، فلما حذفت تمكنت الإضافة لمناسبتها للأسماء ، وهي إضافة غير محضة ، لأنها تعرف . وقال الكوفيون : ما في اسم الفاعل الذي هو بمعن المجيء من معنى الفعل يقتضي إثبات النون وإعماله ، وكونه وما بعده اسمين يقتضي حذف النون والإضافة . و { راجعون } قيل : معناه بالموت وقيل بالحشر والخروج إلى الحساب والعرض ، وتقوي هذا القول الآية المتقدمة قوله تعالى : { ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون } [ البقرة : 28 ، الحج : 66 ، الروم : 40 ] والضمير في { إليه } عائد على الرب تعالى ، وقيل على اللقاء الذي يتضمنه { ملاقو } .