Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 54-55)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا القول من موسى صلى الله عليه وسلم كان بأمر من الله تعالى ، وحذفت الياء في " يا قومي " لأن النداء موضع حذف وتخفيف ، والضمير في " اتخاذكم " في موضع خفض على اللفظ ، وفي موضع رفع بالمعنى ، " العجل " لفظة عربية ، اسم لولد البقرة . وقال قوم : سمي عجلاً لأنه استعجل قبل مجيء موسى عليه السلام . قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وليس هذا القول بشيء . واختلف هل بقي العجل من ذهب ؟ قال ذلك الجمهور وقال الحسن بن أبي الحسن : صار لحماً ودماً ، والأول أصح . و " توبوا " : معناه ارجعوا عن المعصية إلى الطاعة . وقرأ الجمهور : " بارئِكم " بإظهار الهمزة وكسرها . وقرأ أبو عمرو : " بارئْكم " بإسكان الهمزة . وروي عن سيبويه اختلاس الحركة وهو أحسن ، وهذا التسكين يحسن في توالي الحركات . وقال المبرد : لا يجوز التسكين مع توالي الحركات في حرف الإعراب ، وقرءاة أبي عمرو " بارئكم " لحن . قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله : وقد روي عن العرب التسكين في حرف الأعراب ، قال الشاعر : [ الرجز ] @ إذا اعوججن قلت صاحب قوم @@ وقال امرؤ القيس : [ السريع ] @ فاليوم أشرب غير مستحقب إثماً من الله ولا واغل @@ وقال آخر : [ الرجز ] @ قالت سليمى اشتر لنا سويقا @@ وقال الآخر : [ السريع ] @ وقد بدا هَنْكِ مِن المِئْزَرِ @@ وقال جرير : @ ونهر تيري فما تعرفْكُمُ العربُ @@ وقال وضاح اليمن : [ الرجز ] @ إنما شعري شهد قد خلط بجلجلان @@ ومن أنكر التسكين في حرف الإعراب فحجته أن ذلك لا يجوز من حيث كان علماً للإعراب . قال أبو علي : وأما حركة البناء فلم يختلف النحاة في جواز تسكينها مع توالي الحركات . وقرأ الزهري : " باريكم " بكسر الياء من غير همز ، ورويت عن نافع . وقرأ قتادة : " فاقتالوا أنفسكم " : وقال : " هي من الاستقالة " . قال أبو الفتح : " اقتال " هذه افتعل ، ويحتمل أن يكون عينها واواً كاقتادوا ، ويحتمل أن يكون ياء " كاقتاس " والتصريف يضعف أن تكون من الاستقالة ، ولكن قتادة رحمه الله ينبغي أن يحسن الظن به في أنه لم يورد ذلك إلا بحجة عنده . وقوله تعالى : { فتاب عليكم } قبله محذوف تقديره ففعلتم . وقوله { عليكم } معناه : على الباقين ، وجعل الله تعالى القتل لمن قتل شهادة وتاب على الباقين وعفا عنهم . قال بعض الناس : { فاقتلوا } في هذه الآية معناه بالتوبة وإماتة عوارض النفوس من شهوة وتعنت وغضب ، واحتج بقوله عليه السلام في الثوم والبصل فلتمتهما طبخاً ، وبقول حسان : @ قتلت قتلت فهاتها لم تقتل @@ وقوله تعالى : { وإذ قلتم يا موسى } يريد السبعين الذين اختارهم موسى ، واختلف في وقت اختيارهم . فحكى أكثر المفسرين أن ذلك بعد عبادة العجل ، اختارهم ليستغفروا لبني إسرائيل . وحكى النقاش وغيره أنه اختارهم حين خرج من البحر وطلب بالميعاد ، والأول أصح ، وقصة السبعين أن موسى صلى الله عليه وسلم لما رجع من تكليم الله ووجد العجل قد عبد قالت له طائفة ممن لم يعبد العجل : نحن لم نكفر ونحن أصحابك ، ولكن أسمعنا كلام ربك ، فأوحى الله إليه أن اختر منها سبعين شيخاً ، فلم يجد إلاّ ستين ، فأوحى الله إليه أن اختر من الشباب عشرة ، ففعل ، فأصبحوا شيوخاً ، وكان قد اختار ستة من كل سبط فزادوا اثنين على السبعين ، فتشاحوا فيمن يتأخر ، فأوحى الله إليه أن من تأخر له مثل أجر من مضى ، فتأخر يوشع بن نون وطالوت بن يوقنا وذهب موسى عليه السلام بالسبعين بعد أن أمرهم أن يتجنبوا النساء ثلاثاً ويغتسلوا في اليوم الثالث ، واستخلف هارون على قومه ، ومضى حتى أتى الجبل ، فألقي عليهم الغمام . قال النقاش وغيره : غشيتهم سحابة وحيل بينهم وبين موسى بالنور فوقعوا سجوداً . قال السدي وغيره : وسمعوا كلام الله يأمر وينهى ، فلم يطيقوا سماعه ، واختلطت أذهانهم ، ورغبوا أن يكون موسى يسمع ويعبر لهم ، ففعل ، فلما فرغ وخرجوا بدلت منهم طائفة ما سمعت من كلام الله فذلك قوله تعالى : { وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه } [ البقرة : 75 ] ، واضطرب إيمانهم وامتحنهم الله بذلك فقالوا : { لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } ولم يطلبوا من الرؤية محالاً ، أما إنه عند أهل السنة ممتنع في الدنيا من طريق السمع ، فأخذتهم حينئذ الصاعقة فاحترقوا وماتوا موت همود يعتبر به الغير . وقال قتادة : " ماتوا وذهبت أرواحهم ثم ردوا لاستيفاء آجالهم ، فحين حصلوا في ذلك الهمود جعل موسى يناشد ربه فيهم ويقول : أي رب ، كيف أرجع إلى بني إسرائيل دونهم فيهلكون ولا يؤمنون بي أبداً ، وقد خرجوا معي وهم الأخيار " . قال القاضي أبو محمد رحمه الله : يعني وهم بحال الخير وقت الخروج . وقال قوم : بل ظن موسى عليه السلام أن السبعين إنما عوقبوا بسبب عبادة العجل ، فذلك قوله { أتهلكنا } يعني السبعين { بما فعل السفهاء منا } [ الأعراف : 155 ] يعني عبدة العجل . وقال ابن فورك : يحتمل أن تكون معاقبة السبعين لإخراجهم طلب الرؤية عن طريقه ، بقولهم لموسى " أرنا " وليس وذلك من مقدور موسى صلى الله عليه وسلم ، و { جهرة } مصدر في موضع الحال ، والأظهر أنها من الضمير في { نرى } ، وقيل من الضمير في { نؤمن } ، وقيل من الضمير في { قلتم } ، والجهرة العلانية ، ومنه الجهر ضد السر ، وجهر الرجل الأمر كشفه . وقرأ سهل بن شعيب وحميد بن قيس : " جهَرة " بفتح الهاء ، وهي لغة مسموعة عند البصريين فيما فيه حرف الحلق ساكناً قد انفتح ما قبله ، والكوفيون يجيزون فيه الفتح وإن لم يسمعوه . قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن يكون { جهرة } جمع جاهر ، أي حتى نرى كاشفين هذا الأمر . وقرأ عمر وعلي رضي الله عنهما : " فأخذتكم الصعقة " ، ومضى في صدر السورة معنى { الصاعقة } ، والصعقة ما يحدث بالإنسان عند الصاعقة . وتنظرون معناه إلى حالكم . قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله : حتى أحالهم العذاب وأزال نظرهم .