Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 56-58)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أجاب الله تعالى فيهم رغبة موسى عليه السلام وأحياهم من ذلك الهمود أو الموت ، ليستوفوا آجالهم ، وتاب عليهم ، والبعث هنا الإثارة كما قال الله تعالى : { من بعثنا من مرقدنا } [ يس : 52 ] . وقال قوم : إنهم لما أحيوا وأنعم عليهم بالتوبة سألوا موسى عليه السلام أن يجعلهم الله أنبياء ، فذلك قوله تعالى : { ثم بعثناكم من بعد موتكم } أي أنبياء { لعلكم تشكرون } أي على هذه النعمة ، والترجي إنما هو في حق البشر ، ونزلت الألواح بالتوراة على موسى في تلك المدة ، وهذا قول جماعة ، وقال آخرون : إن الألواح نزلت في ذهابه الأول وحده . وذكر المفسرون في تظليل الغمام : أن بني إسرائيل لما كان من أمرهم ما كان من القتل وبقي منهم من بقي حصلوا في فحص التيه بين مصر والشام ، فأمروا بقتال الجبارين فعصوا وقالوا : { فاذهب أنت وربك فقاتلا } [ المائدة : 24 ] فدعا موسى عليهم فعوقبوا بالبقاء في ذلك الفحص أربعين سنة يتيهون في مقدار خمسة فراسخ أو ستة ، روي أنهم كانوا يمشون النهار كله وينزلون للمبيت فيصبحون حيث كانوا بكرة أمس ، فندم موسى عليه السلام على دعائه ، عليهم ، فقيل له : { فلا تأس على القوم الفاسقين } [ المائدة : 26 ] . وروي أنهم ماتوا بأجمعهم في فحص التيه ، ونشأ بنوهم على خير طاعة ، فهم الذين خرجوا من فحص التيه وقاتلوا الجبارين ، وإذ كان جميعهم في التيه قالوا لموسى : من لنا بالطعام ؟ قال : الله ، فأنزل الله عليهم المن والسلوى ، قالوا : من لنا من حر الشمس ؟ فظلل عليهم الغمام ، قالوا : بم نستصبح بالليل ؟ فضرب لهم عمود نور في وسط محلتهم ، وذكر مكي : عمود نار . فقالوا : من لنا بالماء ؟ فأمر موسى بضرب الحجر ، قالوا : من لنا باللباس ؟ فأعطوا أن لا يبلى لهم ثوب ولا يخلق ولا يدرن ، وأن تنمو صغارها حسب نمو الصبيان . ومعنى { ظللنا } جعلناه ظللاً ، و { الغمام } السحاب لأنه يغم وجه السماء أي يستره . وقال مجاهد : " هو أبرد من السحاب وأرق وأصفى ، وهو الذي يأتي الله فيه يوم القيامة " . قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله : يأتي أمره وسلطانه وقضاؤه . وقيل { الغمام } ما ابيض من السحاب . و { المن } صمغة حلوه ، هذا قول فرقة ، وقيل : هو عسل ، وقيل : شراب حلو ، وقيل : الذي ينزل اليوم على الشجر ، وقيل : { المن } خبز الرقاق مثل النقي : وقيل : هو الترنجبين وقيل الزنجبيل ، وفي بعض هذه الأقوال بعد . وقيل : { المن } مصدر يعني به جميع ما من الله به مجملاً . وقال النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب مسلم : الكمأة مما من الله به على بني إسرائيل وماؤها شفاء للعين . فقيل : أراد عليه السلام أن الكمأة نفسها مما أنزل نوعها على بني إسرائيل . وقيل : أراد أنه لا تعب في الكمأة ولا جذاذ ولا حصاد ، فهي منه دون تكلف من جنس من بني إسرائيل في أنه كان دون تكلف . وروي أن { المن } كان ينزل عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس كالثلج فيأخذ منه الرجل ما يكفيه ليومه ، فإن ادخر فسد عليه إلا في يوم الجمعة فإنهم كانوا يدخرون ليوم السبت فلا يفسد عليهم ، لأن يوم السبت يوم عبادة ، و { المن } هنا اسم جمع لا واحد له من لفظه ، { والسلوى } طير بإجماع من المفسرين ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع بن أنس وغيرهم . قيل : هو السماني بعينه . وقيل : طائر يميل إلى الحمرة مثل السمانى ، وقيل : طائر مثل الحمام تحشره عليهم الجنوب . قال الأخفش : " السلوى جمعه وواحده بلفظ واحد " . قال الخليل : { السلوى } جمع واحدته سلواة . قال الكسائي : { السلوى } واحدة جمعها سلاوى ، { والسلوى } اسم مقصور لا يظهر فيه الإعراب ، لأن آخره ألف ، والألف حرف هوائي أشبه الحركة فاستحالت حركته ولو حرك لرجع حرفاً آخر ، وقد غلط الهذلي فقال : [ الطويل ] @ وقاسمها بالله عهداً لأنتمُ ألذُّ من السلوى إذا ما نشورُها @@ ظن السلوى العسل . وقوله تعالى : { كلوا } الآية ، معناه وقلنا كلوا ، فحذف اختصاراً لدلالة الظاهر عليه ، والطيبات هنا قد جمعت الحلال واللذيذ . وقوله تعالى : { وما ظلمونا } يقدر قبله : فعصوا ولم يقابلوا النعم بالشكر ، والمعنى وما وضعوا فعلهم في موضع مضرة لنا ولكن وضعوه في موضع مضرة لهم حيث لا يجب . وقال بعض المفسرين : { ما ظلمونا } ما نقصونا ، والمعنى يرجع إلى ما لخصناه ، و { القرية } المدينة تسمى بذلك لأنها تقرت أي اجتمعت ، ومنه قريت الماء في الحوض أي جمعته ، والإشارة بهذه إلى بيت المقدس في قول الجمهور . وقيل إلى أريحا ، وهي قريب من بيت المقدس . قال عمر بن شبة : كانت قاعدة ومسكن ملوك ، ولما خرج ذرية بني إسرائيل من التيه أمروا بدخول القرية المشار إليها ، وأما الشيوخ فماتوا فيه ، وروي أن موسى صلى الله عليه وسلم مات في التيه ، وكذلك هارون عليه السلام . وحكى الزجاج عن بعضهم أن موسى وهارون لم يكونا في التيه لأنه عذاب ، والأول أكثر ، و { كلوا } إباحة ، وقد تقدم معنى الرغد ، وهي أرض مباركة عظيمة الغلة ، فلذلك قال { رغداً } . و { الباب } قال مجاهد : هو باب في مدينة بيت المقدس يعرف إلى اليوم بباب حطة ، وقيل هو باب القبة التي كان يصلي إليها موسى صلى الله عليه وسلم . وروي عن مجاهد أيضاً : أنه باب في الجبل الذي كلم عليه موسى كالفرضة . و { سجداً } قال ابن عباس رضي الله عنه : معناه ركوعاً ، وقيل متواضعين خضوعاً لا على هيئة معينة ، والسجود يعم هذا كله لأنه التواضع ، ومنه قول الشاعر : [ الطويل ] @ ترى الأكم فيه سجُّداً للحوافر @@ وروي أن الباب خفض لهم ليقصر ويدخلوا عليه متواضعين ، و { حطة } فعلة من حط يحط ، ورفعه على خبر ابتداء ، كأنهم قالوا سؤالنا حطة لذنوبنا ، هذا تقدير الحسن بن أبي الحسن . وقال الطبري : التقدير دخولنا الباب كما أمرنا حطة ، وقيل أمروا أن يقولوا مرفوعة على هذا اللفظ . وقال عكرمة وغيره : أمروا أن يقولوا لا إله إلا الله لتحط بها ذنوبهم . وقال ابن عباس : قيل لهم استغفروا وقولوا ما يحط ذنوبكم . وقال آخرون : قيل لهم أن يقولوا هذا الأمر حق كما أعلمنا . وهذه الأقوال الثلاثة تقتضي النصب . وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة : " حطة " بالنصب . وحكي عن ابن مسعود وغيره : أنهم أمروا بالسجود وأن يقولوا { حطة } فدخلوا يزحفون على أستاههم ويقولون حنطة حبة حمراء في شعرة ، ويروى غير هذا من الألفاظ . وقرأ نافع : " يُغفر " بالياء من تحت مضمومة . وقرأ ابن عامر : " تُغفر " بالتاء من فوق مضمومة . وقرأ أبو بكر عن عاصم : " يَغفر " بفتح الياء على معنى يغفر الله . وقرأ الباقون : " نغفر " بالنون . وقرأت طائفة " تغفر " كأن الحطة تكون سبب الغفران ، والقراء السبعة على { خطاياكم } ، غير أن الكسائي كان يميلها . وقرأ الجحدري : " تُغفر لكم خطيئتُكُمْ " بضم التاء من فوق وبرفع الخطيئة . وقرأ الأعمش : " يغفر " بالياء من أسفل مفتوحة " خطيئتَكُم " نصباً . وقرأ قتادة مثل الجحدري ، وروي عنه أنه قرأ بالياء من أسفل مضمومة خطيئتكم رفعاً . وقرأ الحسن البصري : " يغفر لكم خطيئاتِكم " أي يغفر الله . وقرأ أبو حيوة : " تغفر " بالتاء من فوق مرفوعة " خطيئاتُكم " بالجمع ورفع التاء . وحكى الأهوازي : أنه قارىء " خطأياكم " يهمز الألف الأولى وسكون الآخرة . وحكي أيضاً أنه قرىء بسكون الأولى وهمز الآخرة . قال الفراء : خطايا جمع خطية بلا همز كهدية وهدايا ، وركية وركايا . وقال الخليل : هو جمع خطيئة بالهمز ، وأصله خطايىء قدمت الهمزة على الياء فجاء خطائي أبدلت الياء ألفاً بدلاً لازماً فانفتحت الهمزة التي قبلها فجاء خطاءا ، همزة بين ألفين ، وهي من قبيلهما فكأنها ثلاث ألفات ، فقلبت الهمزة فجاء خطايا . قال سيبويه : " أصله خطايىء همزت الياء كما فعل في مدائن وكتائب فاجتمعت همزتان فقلبت الثانية ياء ، ثم أعلت على ما تقدم " . وقوله تعالى : { وسنزيد المحسنين } عدة ، المعنى إذا غفرت الخطايا بدخولكم وقولكم زيد بعد ذلك لمن أحسن ، وكان من بني إسرائيل من دخل كما أمر وقال لا إله إلا الله فقيل هم المراد بـ { المحسنين } هنا .