Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 6-7)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

معنى الكفر مأخوذ من قولهم كفر إذا غطى وستر ، ومنه قول الشاعر لبيد بن ربيعة : [ الكامل ] @ في ليلة كفر النجوم غمامها @@ أي سترها ومنه سمي الليل كافراً لأنه يغطي كل شيء بسواده قال الشاعر : [ ثعلبة بن صغيرة ] : [ الكامل ] . @ فتذكر ثقلاً رثيداً بعدما ألقت ذكاءَ يمينها في كافر @@ ومنه قيل للزراع كفار ، لأنهم يغطون الحب ، فـ " كفر " في الدين معناه غطى قلبه بالرِّين عن الإيمان أو غطى الحق بأقواله وأفعاله . واختلف فيمن نزلت هذه الآية بعد الاتفاق على أنها غير عامة لوجود الكفار قد أسلموا بعدها . فقال قوم : " هي فيمن سبق في علم الله أنه لا يؤمن أراد الله تعالى أن يعلم أن في الناس في هذه حاله دون أن يعين أحد " . وقال ابن عباس : " نزلت هذه الآية في حيي بن أخطب ، وأبي ياسر وابن الأشرف ونظارائهم " وقال الربيع بن أنس : " نزلت في قادة الأحزاب وهم أهل القليب ببدر " . قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : هكذا حكي هذا القول ، وهو خطأ ، لأن قادة الأحزاب قد أسلم كثير منهم ، وإنما ترتيب الآية في أصحاب القليب ، والقول الأول مما حكيناه هو المعتمد عليه ، وكل من عين أحداً فإنما مثل بمن كشف الغيب بموته على الكفر أنه في ضمن الآية . وقوله : { سواء عليهم } معناه معتدل عندهم ، ومنه قول الشاعر : [ أعشى قيس ] : [ الطويل ] . @ وليل يقول الناس من ظلماتِهِ سواء صحيحاتُ العيونِ وعورُها @@ قال أبو علي : في اللفظة أربع لغات : سوى بكسر السين ، وسواء بفتحها والمد ، وهاتان لغتان معروفتان ، ومن العرب من يكسر السين ويمد ، ومنهم من يضم أوله ويقصره ، وهاتان اللغتان أقل من تينك . ويقال سي بمعنى سواء كما قالوا : " قي ، وقواء " ، و { سواء } رفع على خبر { إن } ، أو رفع على الابتداء وخبره فيما بعده ، والجملة خبر { إن } ، ويصح أن يكون خبر { إن } { لا يؤمنون } . وقرأ أبو عمرو وابن كثير ونافع : " آنذرتهم " بهمزة مطولة ، وكذلك ما أشبه ذلك في جميع القرآن ، وكذلك كانت قراءة الكسائي إذا خففت ، غير أن مد أبي عمرو أطول من مد ابن كثير ، لأنه يدخل بين الهمزتين ألفاً ، وابن كثير لا يفعل ذلك . وروى قالون وإسماعيل بن جعفر عن نافع إدخال الألف بين الهمزتين مع تخفيف الثانية . وروى عنه ورش تخفيف الثانية بين بين دون إدخال ألف بين الهمزتين ، فأما عاصم وحمزة والكسائي إذا حقق وابن عامر : فبالهمزتين " أأنذرتهم " ، وما كان مثله في كل القرآن . وقرأ ابن عباس وابن أبي إسحاق بتحقيق الهمزتين وإدخال ألف بينهما . وقرأ الزهري وابن محيصن " أنذرتهم " بحذف الهمزة الأولى ، وتدل { أم } على الألف المحذوفة ، وكثر مكي في هذه الآية بذكر جائزات لم يقرأ بها ، وحكاية مثل ذلك في كتب التفسير عناء . والإنذار إعلام بتخويف ، هذا حده ، وأنذرت فعل يتعدى إلى مفعولين . قال الله عز وجل : { فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود } [ فصلت : 13 ] وقال : { إنا أنذرناكم عذاباً قريباً } [ النساء : 40 ] وأحد المفعولين في هذه الآية محذوف لدلالة المعنى عليه . وقوله تعالى : { آنذرتهم أم لم تنذرهم } لفظه لفظ الاستفهام ، ومعناه الخبر ، وإنما جرى عليه لفظ الاستفهام لأن فيه التسوية التي هي في الاستفهام ، ألا ترى أنك إذا قلت مخبراً سواء عليّ أقعدت أم ذهبت ، وإذا قلت مستفهماً أخرج زيد أم قام ، فقد استوى الأمران عندك ، هذان في الخبر ، وهذان في الاستفهام وعدم علم أحدهما بعينه ، فلما عمتهما التسوية جرى عل هذا الخبر لفظ الاستفهام لمشاركته إياه في الإبهام ، وكل استفهام تسوية ، وإن لم تكن كل تسوية استفهاماً . وقوله تعالى : { ختم الله } مأخوذ من الختم وهو الطبع ، والخاتم الطابع ، وذهبت طائفة من المتأولين إلى أن ذلك على الحقيقة ، وأن القلب على هيئة الكف ينقبض مع زيادة الضلال والإعراض إصبعاً إصبعاً . وقال آخرون : ذلك على المجاز ، وإن ما اخترع له في قلوبهم من الكفر والضلال والإعراض عن الإيمان سماه ختماً . وقال آخرون ممن حمله على المجاز : " الختم هنا أسند إلى الله تعالى لما كفر الكافرون به وأعرضوا عن عبادته وتوحيده ، كما يقال أهلك المال فلاناً وإنما أهلكه سوء تصرفه فيه " . وقرأ الجمهور : { وعلى سمعهم } . وقرأ ابن أبي عبلة : " وعلى أسماعهم " ، وهو في قراءة الجمهور مصدر يقع للقليل والكثير ، وأيضاً فلما أضيف إلى ضمير جماعة دل المضاف إليه على المراد ، ويحتمل أن يريد على مواضع سمعهم فحذف وأقام المضاف إليه مقامه . والغشاوة الغطاء المغشي الساتر ، ومنه قول النابغة : [ البسيط ] @ هلا سألت بني ذبيان ما حسبي إذا الدخان تغشى الأشمط البرما @@ وقال الآخر : [ الحارث بن خالد المخزومي ] : [ الطويل ] @ تبعتك إذ عيني عليها غشاوة فلما انجلتْ قطعت نفسي ألومها @@ ورفع غشاوة على الابتداء وما قبله خبره . وقرأ عاصم فيما روى المفضل الضبي عنه " غشاوة " بالنصب على تقدير وجعل على أبصارهم غشاوة ، والختم على هذا التقدير في القلوب والأسماع ، والغشوة على الأبصار ، والوقف على قوله { وعلى سمعهم } . وقرأ الباقون " غشاوةٌ " بالرفع . قال أبو علي : " وقراءة الرفع أولى لأن النصب إما أن تحمله على ختم الظاهر فيعترض في ذلك أنك حلت بين حرف العطف والمعطوف به " وهذا عندنا إنما يجوز في الشعر ، وإما أن تحمله على فعل يدل عليه { ختم } تقديره وجعل على أبصارهم ، فيجيء الكلام من باب : " متقلداً سيفاً ورمحاً " وقول الآخر : [ الرجز ] : @ علفتها تبناً وماءً بارداً @@ ولا تكاد تجد هذا الاستعمال في حال سعة واختيار . فقراءة الرفع أحسن ، وتكون الواو عاطفة جملة على جملة " . قال : " ولم أسمع من الغشاوة فعلاً مصرفاً بالواو ، فإذا لم يوجد ذلك وكان معناها معنى ما اللام منه الياء من غشي يغشى بدلالة قولهم الغشيان فالغشاوة من غشي كالجباوة من جبيت في أن الواو كأنها بدل من الياء ، إذ لم يصرف منه فعل كما لم يصرف من الجباوة " . وقال بعض المفسرين : الغشاوة على الأسماع والأبصار ، والوقف في قوله { على قوبهم } . وقال آخرون : " الختم في الجميع ، والغشاوة هي الخاتم " . قال القاضي أبو محمد : وقد ذكرنا اعتراض أبي عليّ هذا القول . وقرأ أبو حيوة " غَشوة " ، بفتح الغين والرفع ، وهي قراءة الأعمش . وقال الثوري : " كان أصحاب عبد الله يقرؤونها " غَشيةٌ " بفتح الغين والياء والرفع " . وقرأ الحسن : " غُشاوة " بضم الغين ، وقرئت " غَشاوة " بفتح الغين ، وأصوب هذه القراءات المقروء بها ما عليه السبعة من كسر الغين على وزن عمامة الأشياء التي هي أبداً مشتملة ، فهكذا يجيء وزنها كالضمامة والعمامة والكنابة والعصابة والربابة وغير ذلك . قوله تعالى : { ولهم عذاب عظيم } معناه بمخالفتك يا محمد وكفرهم بالله استوجبوا ذلك ، و { عظيم } معناه بالإضافة إلى عذاب دونه يتخلله فتور ، وبهذا التخلل المتصور يصح أن يتفاضل العرضان كسوادين أحدهما أشبع من الآخر ، إذ قد تخلل الآخر ما ليس بسواد .