Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 86-88)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
جعل الله ترك الآخرة وأخذ الدنيا مع قدرتهم على التمسك بالآخرة بمنزلة من أخذها ثم باعها بالدنيا ، وهذه النزعة صرفها مالك رحمه الله في فقه البيوع ، إذ لا يجوز الشراء على ان يختار المشتري في كل ما تختلف صفة آحاده ، ولا يجوز فيه التفاضل كالحجل المذبوحة وغيرها ، ولا يخفف عنهم العذاب في الآخرة ، ولا ينصرون لا في الدنيا ولا في الآخرة ، و { الكتاب } التوراة ، ونصبه على المفعول الثاني لـ { آتينا } ، { وقفينا } مأخوذ من القفا ، تقول قفيت فلاناً بفلان إذا جئت به من قبل قفاه ، ومنه قفا يقفو إذا اتبع . وهذه الأية مثل قوله تعالى : { ثم أرسلنا رسلنا تترا } [ المؤمنون : 144 ] ، وكل رسول جاء بعد موسى عليه السلام فإنما جاء بإثبات التوراة والأمر بلزومها إلى عيسى عليه السلام ، وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر " بالرسْل " ساكنة السين ، ووافقهما أبو عمرو إذا انضاف ذلك إلى ضمير نحو رسلنا ورسلهم ، و { البينات } الحجج التي أعطاها الله عيسى ، وقيل هي آياته من إحياء وإبراء وخلق طير ، وقيل هي الإنجيل ، والآية تعم جميع ذلك ، و { أيدناه } معناه قويناه ، والأيد القوة ، وقرأ ابن محيصن والأعرج وحميد " آيدناه " . وقرأ ابن كثير ومجاهد " روح القدْس " بسكون الدال . وقرأ الجمهور بضم القاف والدال ، وفيه لغة فتحهما ، وقرأ أبو حيوة " بروح القدوس " بواو ، وقال ابن عباس رضي الله عنه " روح القدس هو الاسم الذي به كان يحيي الموتى " ، وقال ابن زيد : " هو الإنجيل كما سمى الله تعالى القرآن روحاً " وقال السدي والضحاك والربيع وقتادة : " روح القدس جبريل صلى الله عليه وسلم " ، وهذا أصح الأقوال . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان ابن ثابت : " اهج قريشاً وروح القدس معك " ومرة قال له " وجبريل معك " ، وقال الربيع ومجاهد : { القدس } اسم من أسماء الله تعالى كالقدوس ، والإضافة على هذا إضافة الملك إلى المالك ، وتوجهت لما كان جبريل عليه السلام من عباد الله تعالى ، وقيل { القدس } الطهارة ، وقيل { القدس } البركة . وكلما ظرف ، والعامل فيه { استكبرتم } ، وظاهر الكلام الاستفهام ، ومعناه التوبيخ والتقرير ، ويتضمن أيضاً الخبر عنهم ، والمراد بهذه الآية بنو إسرائيل . ويروى أن بني إسرائيل كانوا يقتلون في اليوم ثلاثمائة نبي ثم تقوم سوقهم آخر النهار ، وروي سبعين نبياً ثم تقوم سوق بقلهم آخر النهار ، وفي { تهوى } ضمير من صلة ما لطول اللفظ ، والهوى أكثر ما يستعمل فيما ليس بحق ، وهذه الآية من ذلك ، لأنهم إنما كانوا يهوون الشهوات ، وقد يستعمل في الحق ، ومنه قول عمر رضي الله عنه في قصة أسرى بدر : " فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت " ، و { استكبرتم } من الكبر ، { وفريقاً } مفعول مقدم . وقرأ جمهور القراء " غلْف " بإسكان اللام على أنه جمع أغلف مثل " حمْر " و " صفْر " ، والمعنى قلوبنا عليها غَلَف وغشاوات فهي لا تفقه ، قاله ابن عباس ، وقال قتادة : " المعنى عليها طابع " ، وقالت طائفة : غلْف بسكون اللام جمع غلاف ، أصله غلّف بتثقيل اللام فخفف . قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهذا قلما يستعمل إلا في الشعر . وقرأ الأعمش والأعرج وابن محيصن " غلّف " بتثقيل اللام جمع غلاف ، ورويت عن أبي عمرو ، فالمعنى هي أوعية للعلم والمعارف بزعمهم ، فهي لا تحتاج إلى علم محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل : المعنى فكيف يعزب عنها علم محمد صلى الله عليه وسلم ؟ ، فرد الله تعالى عليهم بقوله : { بل لعنهم الله بكفرهم } ، و { بل } في هذه الآية نقض للأول ، وإضراب عنه ، ثم بين تعالى أن السبب في نفورهم عن الإيمان إنما هو أنهم لعنوا بما تقدم من كفرهم واجترامهم ، وهذا هو هو الجزاء على الذنب فالذنب أعظم منه ، واللعن الإبعاد والطرد ، و { قليلاً } نعت لمصدر محذوف تقديره فإيماناً قليلاً ما يؤمنون ، والضمير في { يؤمنون } لحاضري محمد صلى الله عليه وسلم ، ويتجه قلة هذا الإيمان : إما لأن من آمن بمحمد منهم قليل فيقل لقلة الرجال ، قال هذا المعنى قتادة ، وإما لأن وقت إيمانهم عندما كانوا يستفتحون به قبل مبعثه قليل ، إذ قد كفروا بعد ذلك ، وإما لأنهم لم يبق لهم بعد كفرهم غير التوحيد على غير وجهه ، إذ هم مجسمون فقد قللوه بجحدهم الرسل وتكذيبهم التوراة ، فإنما يقل من حيث لا ينفعهم كذلك ، وعلى هذا التأويل يجيء التقدير فإيماناً قليلاً ، وعلى الذي قبله فوقتاً قليلاً ، وعلى الذي قبله فعدداً من الرجال قليلاً ، و { ما } في قوله : { فقليلاً ما يؤمنون } زائدة مؤكدة ، و { قليلاً } نصب بـ { يؤمنون } .