Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 89-91)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الكتاب القرآن ، و { مصدق لما معهم } يعني التوراة ، وروي أن في مصحف أبي بن كعب " مصدقاً " بالنصب . و { يستفتحون } معناه أن بني إسرائيل كانوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم قد علموا خروجه بما عندهم من صفته وذكر وقته ، وظنوا أنه منهم ، فكانوا إذا حاربوا الأوس والخزرج فغلبتهم العرب قالوا لهم : لو قد خرج النبي الذي قد أظل وقته لقاتلناكم معه واستنصرنا عليكم به و { يستفتحون } معناه يستنصرون ، وفي الحديث : " كان رسول الله صلى الله عيله وسلم يستفتح بصعاليك المهاجرين " ، وروي أن قريظة والنضير وجميع يهود الحجاز في ذلك الوقت كانوا يستفتحون على سائر العرب ، وبسبب خروج النبي المنتظر كانت نقلتهم إلى الحجاز وسكناهم به ، فإنهم كانوا علموا صقع المبعث ، وما عرفوا أنه محمد عليه السلام وشرعه ، ويظهر من هذه الآيات العناد منهم ، وأن كفرهم كان مع معرفة ومعاندة ، " ولعنة الله " : معناه إبعاده لهم وخزيهم لذلك . واختلفت النحاة في جواب { لما } و { لِما } الثانية في هذه الآية . فقال أبو العباس المبرد : جوابهما في قولَه : { كَفروا } ، وأعيدت { لما } الثانية لطول الكلام ، ويفيد ذلك تقريراً للذنب ، وتأكيداً له ، وقال الزجاج : { لما } الأولى لا جواب لها للاستغناء عن ذلك بدلالة الظاهر من الكلام عليه ؟ قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : فكأنه محذوف ، وقال الفراء : جواب { لما } الأولى في الفاء وما بعدها ، وجواب { لما } الثانية { كفروا } . " وبيس " أصله " بئس " سهلت الهمزة ونقلت إلى الباء حركتها ، ويقال في " بئس " " بيس " اتباعاً للكسرة ، وهي مستوفية للذم كما نعم مستوفية للمدح ، واختلف النحويون في { بيسما } في هذا الموضع ، فمذهب سيبويه أن " ما " فاعلة ببيس ، ودخلت عليها بيس كما تدخل على أسماء الأجناس والنكرات لما أشبهتها " ما " في الإبهام ، فالتقدير على هذا القول : بيس الذي { اشتروا به أنفسهم أن يكفروا } ، كقولك : بيس الرجل زيد ، و " ما " في هذا القول موصولة ، وقال الأخفش : " ما " في موضع نصب على التمييز كقولك " بيس رجلاً زيد " ، فالتقدير " بيس شيئاً أن يكفروا " ، و { اشتروا به أنفسهم } في هذا القول صفة " ما " ، وقال الفراء " بيسما بجملته شيء واحد ركب كحبذا " ، وفي هذا القول اعتراض لأنه فعل يبقى بلا فاعل ، و " ما " إنما تكف أبداً حروفاً ، وقال الكسائي : " ما " ، و { اشتروا } بمنزلة اسم واحد قائم بنفسه ، فالتقدير بيس اشتراؤهم أنفسهم أن يكفروا ، وهذا أيضاً معترض لأن " بيس " لا تدخل على اسم معين متعرف بالإضافة إلى الضمير ، وقال الكسائي أيضاً : إن " ما " في موضع نصب على التفسير وثم " ما " أخرى مضمرة ، فالتقدير بيس شيئاً ما اشتروا به أنفسهم ، و { أن يكفروا } في هذا القول بدل من " ما " المضمرة ، ويصح في بعض الأقوال المتقدمة أن يكون { أن يكفروا } في موضع خفض بدلاً من الضمير في { به } ، وأما في القولين الأولين فـ { أن } { يكفروا } ابتداء وخبره فيما قبله ، و { اشتروا } بمعنى باعوا ، يقال : شرى واشترى بمعنى باع ، وبمعنى ابتاع ، و { بما أنزل الله } يعني به القرآن ، ويحتمل أن يراد به التوراة لأنهم إذ كفروا بعيسى ومحمد عليهما السلام فقد كفروا بالتوراة ، ويحتمل أن يراد به الجميع من توراة وإنجيل وقرآن ، لأن الكفر بالبعض يلزم الكفر بالكل ، و { بغياً } مفعول من أجله ، وقيل نصب على المصدر ، و { أن ينزل } نصب على المفعول من أجله أو في موضع خفض بتقدير بأن ينزل . وقرأ أبو عمرو وابن كثير " أن ينزل " بالتخفيف في النون والزاي ، و { من فضله } يعني من النبوة والرسالة . و { من يشاء } يعني به محمداً صلى الله عليه وسلم لأنهم حسدوه لما لم يكن منهم وكان من العرب . ويدخل في المعنى عيسى عليه السلام لأنهم قد كفروا به بغياً ، والله قد تفضل عليه ، و " باؤوا " معناه : مضوا متحملين لما يذكر أنهم باؤوا به ، و { يغضب } معناه من الله تعالى لكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم على غضب متقدم من الله تعالى عليهم ، قيل لعبادتهم العجل ، وقيل لقولهم عزير ابن الله ، وقيل لكفرهم بعيسى عليه السلام . قال القاضي أبو محمد رحمه الله : فالمعنى على غضب قد باء به أسلافهم حظ هؤلاء وافر بسبب رضاهم بتلك الأفعال وتصويبهم لها . وقال قوم : المراد بقوله { بغضب على غضب } التأكيد وتشديد الحال عليهم لا أنه أراد غضبين معللين بقصتين ، و { مهين } مأخوذ من الهوان وهو ما اقتضى الخلود في النار لأن من لا يخلد من عصاة المسلمين إنما عذابه كعذاب الذي يقام عليه الحد لا هوان فيه بل هو تطهير له . وقوله تعالى : { وإذا قيل لهم } يعني : اليهود أنهم إذ قيل لهم : آمنوا بالقرآن الذي أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم { قالوا نؤمن بما أنزل علينا } يعنون التوراة وما وراءه . قال قتادة : أي ما بعده ، وقال الفراء ، أي ما سواه ويعني به القرآن ، وإذا تكلم رجل أو فعل فعلاً فأجاد يقال له ما وراء ما أتيت به شيء ، أي ليس يأتي بعده . ووصف الله تعالى القرآن بأنه الحق ، و { مصدقاً } حال مؤكدة عند سيبويه ، وهي غير منتقلة ، وقد تقدم معناها في الكلام ولم يبق لها هي إلا معنى التأكيد ، وأنشد سيبويه على الحال المؤكدة . [ البسيط ] : @ أنا ابن دارة معروفاً بها حسبي وهل لدارة يا للنّاس من عار @@ و { لما معهم } يريد به التوراة . وقوله تعالى : { قل فلم تقتلون } الآية رد من الله تعالى عليهم في أنهم آمنوا بما أنزل عليهم ، وتكذيب منه لهم في ذلك ، واحتجاج عليهم . ولا يجوز الوقف على { فلم } لنقصان الحرف الواحد إلا أن البزي وقف عليه بالهاء ، وسائر القراء بسكون الميم . وخاطب الله من حضر محمداً صلى الله عليه وسلم من بني إسرائيل بأنهم قتلوا الأنبياء لما كان ذلك من فعل أسلافهم . وجاء { تقتلون } بلفظ الاستقبال وهو بمعنى المضي لما ارتفع الإشكال بقوله { من قبل } وإذا لم يشكل فجائز سوق الماضي بمعنى المستقبل وسوق المستقبل بمعنى الماضي . قال الحطيئة [ الكامل أخذ مضمر ] . @ شهد الحطيئة يوم يلقى ربه أن الوليد أحق بالعذر @@ وفائدة سوق الماضي في موضع المستقبل ، الإشارة إلى أنه في الثبوت كالماضي الذي قد وقع . وفائدة سوق المستقبل في معنى الماضي الإعلام بأن الأمر مستمر . ألا ترى أن حاضري محمد صلى الله عليه وسلم لما كانوا راضين بفعل أسلافهم بقي لهم من قتل الأنبياء جزء ، و { إن كنتم } شرط والجواب متقدم ، وقالت فرقة : { إن } نافية بمعنى ما .