Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 22-26)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المعنى في هذه الآية أن الكفار لما قالوا { لولا أنزل علينا الملائكة } [ الفرقان : 21 ] ، أخبر الله تعالى أنهم { يوم يرون الملائكة } إنما هو يوم القيامة ، وقد كان أول الآية يحتمل أن يريد يوم تفيض أرواحهم ، لكن آخرها يقتضي أن الإشارة إلى يوم القيامة ، وأمر العوامل في هذه الظروف بين إذا تأمل فاختصرناه لذلك ، ومعنى هذه الآية أن هؤلاء الذين تمنّوا نزول الملائكة لا يعرفون ما قدر الله في ذلك فإنهم { يوم يرون الملائكة } هو شر لهم و { لا بشرى } لهم بل لهم الخسار ولقاء المكروه و { يومئذ } ، خبر { لا بشرى } لأن الظروف تكون إخباراً عن المصادر . الضمير في قوله { ويقولون } ، قال الحسن وقتادة والضحاك ومجاهد هو لـ { لملائكة } ، المعنى وتقول الملائكة للمجرمين { حجراً محجوراً } عليكم البشرى ، أي حراماً محرماً . والحجر الحرام ومنه قول المتلمس جرير بن عبد المسيح : [ البسيط ] @ حنت إلى النخلة القصوى فقلت لها حجر حرام الا تلك الدهاريس @@ وقال مجاهد أيضاً وابن جريج إن الضمير في قوله { ويقولون } هو للكفار المجرمين قال ابن جريج كانت العرب إذا كرهوا شيئاً قالوا حجراً ، قال مجاهد { حجراً } عوذاً ، يستعيذون من الملائكة . قال الفقيه الإمام القاضي : ويحتمل أن يكون المعنى ويقولون حرام محرم علينا العفو ، وقد ذكر أبو عبيدة أن هاتين اللفظتين عوذة للعرب يقولها من خاف آخر في الحرم أو في شهر حرام إذا لقيه وبينهما ترة . قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا المعنى هو مقصد بيت المتلمس الذي تقدّم ، أي هذا الذي حننت إليه ممنوع . وقرأ الحسن وأبو رجاء " حُجراً " بضم الحاء ، والناس على كسرها ، ثم أخبر تعالى عما يأتي عليه قضاؤه وفعله فقال حكاية عن يوم القيامة { وقدمنا } أي قصد حكمنا وإنفاذنا ونحو هذا من الألفاظ اللائقة ، وقيل هو قدوم الملائكة أسنده إليه لأنه عن أمره ، وحسنت لفظة { قدمنا } لأن القادم على شيء مكروه لم يقدره ولا أمر به مغير له مذهب ، وأما قول الراجز : @ وقدم الخوارج الضلال إلى عباد ربنا فقالوا : إن دماءكم لنا حلال @@ فالقدوم فيه على بابه ، ومعنى الآية وقصدنا إلى أعمالهم التي هي في الحقيقة لا تزن شيئاً إذ لا نية معها فجعلناها على ما تستحق لا تعد شيئاً وصيرناها { هباء منثوراً } أي شيئاً لا تحصيل له ، والهباء هي الأجرام المستدقة الشائعة في الهواء التي لا يدركها حس إلا حين تدخل الشمس على مكان ضيق يحيط به الظل كالكوة أو نحوها ، فيظهر حينئذ فيما قابل الشمس أشياء تغيب وتظهر فذلك هو الهباء ، ووصفه في هذه الآية بـ { منثور } ، ووصفه في غيرها بـ " منبث " ، فقالت فرقة هما سواء ، وقالت فرقة المنبث أرق وأدق من المنثور لأن المنثور يقتضي أن غيره نثره كسنابك الخيل والريح أو هدم حائط أو كنس ونحو ذلك ، والمنبث كأنه هو انبث من دقته ، وقال ابن عباس الهباء المنثور ، ما تسفي به الرياح وتبثه ، وروي عنه أنه قال أيضاً الهباء الماء المهراق والأول أصح والعرب تقول أهبات الغبار والتراب ونحوه إذا بثثته وقال الشاعر الحارث بن حلزة اليشكري ] : [ الخفيف ] @ وترى خلفها من الربع والوقـ ـع منيناً كأنه أهباء @@ ومعنى هذه الآية جعلنا أعمالهم لا حكم لها ولا منزلة ، ثم أخبر عز وجل بأن مستقر أهل الجنة { خير } من مستقر أهل النار ، وجاءت { خير } ، ها هنا للتفضيل بين شيئين لا شركة بينهما ، فذكر الزجاج وغيره في ذلك أنه لما اشتركا في أن هذا مستقر وهذا مستقر فضل الاستقرار الواحد . قال القاضي أبو محمد : ويظهر لي أن هذه الألفاظ التي فيها عموم ما يتوجّه حكمها من جهات شتى ، نحو قولك أحب وأحسن وخير وشر يسوغ أن يجاء بها بين شيئين لا شركة بينهما ، فتقول السعد في الدنيا أحب إليّ من الشقاء إذ قد يوجد بوجه ما من يستحب الشقاء كالمتعبد والمغتاظ وكذلك في غيرها ، فإذا كانت أفعل في معنى بين أن الواحد من الشيئين لا حظ له فيه بوجه فسد الإخبار بالتفضيل به ، كقولك الماء أبرد من النار ، ومن هذا إنك تقول في ياقوته ومدرة وتشير إلى المدرة هذه أحسن وخير وأحب وأفضل من هذه ، ولو قلت هذه ألمع وأشد شراقة من هذه لكان فاسداً ، وقوله { مقيلاً } ذهب ابن عباس والنخعي وابن جريج إلى أن حساب الخلق يكمل في وقت ارتفاع النهار ، ويقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار فالمقيل من القائلة . قال الفقيه الإمام القاضي : ويحتمل أن اللفظة إنما تضمنت تفضيل الجنة جملة ، فالعرب تفضل البلاد بحسن المقيل لأن وقت القائلة يبدو فساد هواء البلاد ، فإذا كان بلد في وقت فساد الهواء حسناً جاز الفضل ومن ذلك قول الأسود بن يعفر الإيادي : [ الكامل ] @ أرض تخيرها لطيب مقيلها كعب بن مامة وابن أم دواد @@ وقوله { ويوم تشقق السماء بالغمام } يريد يوم القيامة عن انفطار السماء ونزول الملائكة ووقوع الجزاء بحقيقة الحساب ، وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر " تشّقّق " بشد الشين والقاف ، وقرأ الباقون بتخفيف الشين ، وقوله { بالغمام } أي يشقق عنه ، والغمام سحاب رقيق أبيض جميل لم يره البشر بعد إلا ما جاء في تظليل بني إسرائيل ، وقرأ جمهور القراء " ونُزِّل الملائكة " بضم النون وشدّ الزاي المكسورة ورفع " الملائكةُ " على مفعول لم يسم فاعله ، وقرأ أبو عمرو في رواية عبد الوهاب " ونزِل " بتخفيف الزاي المكسورة ، قال أبو الفتح وهذا غير معروف لأن " نزل " لا يتعدى إلى مفعول فيبنى هنا " للملائكة " ، ووجهه أن يكون مثل زكم الرجل وجن فإنه لا يقال إلا أزكمه الله وأجنه وهذا باب سماع لا قياس ، وقرأ أبو رجاء " ونَزّل الملائكة " بفتح النون وشدّ الزاي وقرأ الأعمش ، " وأنزل الملائكة " وكذلك قرأ ابن مسعود ، وقرأ أبي بن كعب " ونزلت الملائكة " ، وقرأ ابن كثير وحده " وننزل الملائكة " بنونين وهي قراءة أهل مكة ، فرويت عن أبي عمرو " ونزل الملائكةُ " بإسناد الفعل إليها ، وقرأت فرقة " وتنزل الملائكة " ، وقرأ أبي بن كعب أيضاً " وتنزلت الملائكة " ثم قرّر أن " الملك الحق هو يومئذ للرحمن " ، إذ قد بطل في ذلك اليوم كل ملك وعسره { على الكافرين } توجه بدخول النار عليهم فيه وما في خلال ذلك من المخاوف ، وقوله { على الكافرين } ، دليله أن ذلك اليوم سهل على المؤمنين وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله ليهون القيامة على المؤمنين حتى أخف عليهم من صلاة مكتوبة صلوها "