Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 10-19)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

التقدير واذكر { إذ نادى ربك موسى } وسوق هذه القصة تمثيل لكفار قريش لتكذيبهم محمداً صلى الله عليه وسلم ، وقوله { أن ائت } يجوز في { أن } أن تكون مفسرة لا موضع لها من الإعراب بمنزلة أي ، ويجوز أن تكون غيرها وهي في موضع نصب بتقدير بأن ائت ، وقوله { ألا يتقون } معناه قل لهم فجمع في هذه العبارة من المعاني نفي التقوى عنهم وأمرهم بالتقوى ، وقرأ الجمهور " يتقون " بالياء من تحت ، وقرأ عبد الله بن مسلم وحماد بن سلمة وأبو قلابة " تتقون " بالتاء من فوق على معنى قل لهم ، ولعظيم نخوة فرعون وتألهه وطول مدته وما أشربت القلوب من مهابته قال عليه السلام { إني أخاف أن يكذبون } . وقرأ جمهور الناس " ويضيقُ " بالرفع و " ينطلقُ " كذلك ، وقرأ الأعرج وطلحة وعيسى ذلك بالنصب فيهما ، فقراءة الرفع هي إخبار من موسى بوقوع ضيق صدره وعدم انطلاق لسانه ، وبهذا رجح أبو علي هذه القراءة ، وقراءة النصب تقتضي أن ذلك داخل تحت خوفه وهو عطف على { يكذبون } ، وكان في خلق موسى عليه السلام حد وكان في لسانه حبسة بسبب الجمرة في طفولته ، وحكى أبو عمرو عن الأعرج أنه قرأ بنصب " ويضيقَ " وبرفع " ينطلقُ " وقد يكون عدم انطلاق اللسان بالقول لغموض المعاني التي تطلب لها ألفاظ محررة ، فإذا كان هذا في وقت ضيق صدر ولم ينطلق اللسان ، وقد قال موسى عليه السلام { واحلل عقدة من لساني } [ طه : 27 ] فالراجح قراءة الرفع ، وقوله تعالى : { فأرسل إلى هارون } معناه يعينني ويؤازرني ، وكان هارون عليه السلام فصيحاً واسع الصدر ، فحذف بعض المراد من القول إذ باقيه دال عليه ، ثم ذكر موسى خوفه القبط من أجل ذنبه ، وهو قتله الرجل الذي وكزه ، قاله قتادة ومجاهد والناس ، فخشي أن يستقاد منه لذلك فقال الله عز وجل له { كلا } رداً لقوله { إني أخاف } أي لا تخف ذلك فإني لم أحملك ما حملتك إلا وقد قضيت بنصرك وظهورك وأمر موسى وهارون بخطاب لموسى فقط ، لأن هارون ليس بمكلم بإجماع ، ولكن قال لموسى " اذهبا " أي أنت وأخوك ، والآيات تعم جميع ما بعثهما الله به وأعظم ذلك العصا بها وقع العجز ، وبالآيتين تحدى موسى عليه السلام ، ولا خلاف في أن موسى عليه السلام هو الذي حمله الله أمر النبوة وكلها ، وأن هارون كان نبياً رسولاً معيناً له وزيراً ، وقوله { إنا معكم } إما على أن يجعل الاثنين جماعة ، وإما أن يريدهما ، والمبعوث إليهم وبني إسرائيل ، وقوله { مستمعون } على نحو التعظيم والجبروت التي لله تعالى ، وصيغة قوله { مستمعون } تعطي اهتبالاً بالأمر ليس في صيغة قوله " سامعون " ، وإلا فليس يصف الله تعالى بطلب الاستماع ، وإنما القصد إظهار التهمم ليعظم أنس موسى أو تكون الملائكة بأمر الله إياها تستمع ، وقوله تعالى : { إنا رسول رب العالمين } هو على أن العرب أجرت الرسول مجرى المصدر في أن وصفت به الجمع والواحد والمؤنث ، ومن ذلك قول الهذلي : @ ألكني إليها وخير الرسو ل أعلمهم بنواحي الخبر @@ ومنه قول الشاعر : وإن كان مولداً . @ إن التي أبصرتها سحراً تكلمني رسول @@ وقوله { أن أرسل معنا بني إسرائيل } معناه سرح ، فهو من الإرسال الذي هو بمعنى الإطلاق ، وكما تقول أرسلت الحجر من يدي ، وكان موسى مبعوثاً إلى فرعون في أمرين : أحدهما أن يرسل بني إسرائيل ويزيل عنهم ذل العبودية والغلبة ، والثاني أن يؤمن ويهتدي وأمر بمكافحته ومقاومته في الأول ، ولم يؤمر بذلك في الثاني على ما بلغ من أمره ، وبعث بالعبادات والشرع إلى بني إسرائيل فقط ، هذا قول بعض العلماء ، وقول فرعون لموسى { ألم نُربّك } هو على جهة المن عليه والاحتقار ، أي ربيناك صغيراً ولم نقتلك في جملة من قتلنا ، { ولبثت فينا سنين } ، فمتى كان هذا الذي تدعيه ، وقرأ جمهور القراء " من عمُرك " بضم الميم ، وقرأ أبو عمرو " عمْرك " بسكونها ، ثم قرره على قتل القبطي بقوله { وفعلت فعلتك } والفَعلة بفتح الفاء المرة من الفعل ، وقرأ الشعبي " فِعلتك " بكسر الفاء وهي هيئة الفعل ، وقوله { وأنت من الكافرين } ، يحتمل ثلاثة أوجه : أحدها أن يريد وقتلت القبطي { وأنت } في قتلك إياه { من الكافرين } إذ هو نفس لا يحل قتله قاله الضحاك ، أو يريد { وأنت من الكافرين } بنعمتي في قتلك إياه قاله ابن زيد ، وهذان بمعنى واحد في حق لفظ الكفر ، وإنما اختلفا باشتراك لفظ الكفر والثاني أن يكون بمعنى الهزء على هذا الدين فأنت من الكافرين بزعمك قاله السدي ، والثالث هو قول الحسن أن يريد { وأنت من الكافرين } الآن يعني فرعون بالعقيدة التي كان يبثها فيكون الكلام مقطوعاً من قوله { وفعلت فعلتك } وإنما هو إخبار مبتدأ كان من الكافرين وهذا الثاني أيضاً يحتمل أن يريد به كفر النعمة . قال القاضي أبو محمد : وكان بين خروج موسى عليه السلام حين قتل القبطي وبين رجوعه نبياً إلى فرعون إحدى عشر سنة غير أشهر .