Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 20-28)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
القائل هنا هو موسى عليه السلام والضمير في قوله { فعلتها } لقتله القبطي ، وقوله { إذاً } صلة في الكلام وكأنها بمعنى حينئذ ، وقوله { وأنا من الضالين } قال ابن زيد معناه من الجاهلين بأن وكزتي إياه تأتي على نفسه ، وقال أبو عبيدة معناه من الناسين لذلك ، ونزع بقوله تعالى أن تضل إحداهما ، وفي قراءة عبد الله بن مسعود وابن عباس " وأنا من الجاهلين " ويشبه أن تكون هذه القراءة على جهة التفسير ، وقوله { حكماً } يريد النبوة وحكمتها ، وقرأ عيسى " حُكُماً " بضم الحاء والكاف ، وقوله { وجعلني من المرسلين } درجة ثانية للنبوة فرب نبي ليس برسول ، ثم حاجه عليه السلام في منه عليه بالتربية وترك القتل بقوله { وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل } ، واختلف الناس في تأويل هذا الكلام ، فقال قتادة هذا منه على جهة الإنكار عليه أن تكون نعمة كأنه يقول أويصح لك أن تعتمد على نعمة ترك قتلي من أجل أنك ظلمت بني إسرائيل وقتلتهم ، أي ليست نعمة لأن الواجب كان ألا يقتلني وألا تقتلهم ولا تستعبدهم بالقتل والخدمة وغير ذلك ، وقرأ الضحاك " وتلك نعمة ما لك أن تمنها " ، وهذه قراءة تؤيد هذا التأويل ، وقال الأخفش قيل ألف الاستفهام محذوفة والمعنى " أو تلك " وهذا لا يجوز إلا إذا عادلتها أم كما قال " تروح من الحي أم تبتكر " . قال القاضي أبو محمد : وهذا القول تكلف ، قول موسى عليه السلام تقرير بغير ألف وهو صحيح كما قال قتادة والله المعين ، وقال السدي والطبري هذا الكلام من موسى عليه السلام على جهة الإقرار بالنعمة ، كأنه يقول وتربيتك نعمة علي من حيث عبدت غيري وتركتني ولكن ذلك لا يدفع رسالتي . قال القاضي أبو محمد : ولكل وجه ناحية من الاحتجاج فالأول ماض في طريق المخالفة لفرعون ونقض كلامه كله ، والثاني مبد من موسى عليه السلام أنه منصف من نفسه معترف بالحق ، ومتى حصل أحد المجادلين في هذه الرتبة وكان خصمه في ضدها غلب المتصف بذلك وصار قوله أوقع في النفوس ، ولما لم يجد فرعون في هذا الطريق من تقريره على التنزيه وغير ذلك حجة رجع إلى معارضة موسى في قوله " رسول رب العالمين " فاستفهمه استفهاماً عن مجهول من الأشياء قال مكي كما يستفهم عن الأجناس ، فلذلك استفهم بـ { ما } وقد ورد له استفهام بـ { من } في موضع آخر ، ويشبه أنها مواطن ، فأتى موسى عليه السلام بالصفات التي تبين للسامع أنه لا مشاركة لفرعون فيها وهي ربوبية السماوات والأرض ، وهذه المجادلة من فرعون تدل على أن موسى عليه السلام دعاه إلى التوحيد فقال فرعون عند ذلك { ألا تستمعون } على وجه الإغراء والتعجب من شنعة المقالة ، إذ كانت عقيدة القوم أن فرعون ربهم ومعبودهم والفراعنة قبله كذلك وهذه ضلالة منها في مصر وديارها إلى اليوم بقية فزاد موسى في البيان بقوله { ربكم ورب آبائكم الأولين } ، فقال فرعون حينئذ على جهة الاستخفاف { إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون } وقرأ جمهور الناس على بناء الفعل للمفعول ، وقرأ حميد الأعرج ومجاهد " أرسل " على بناء الفعل للفاعل ، فزاد موسى عليه السلام في بيان الصفات التي تظهر نقص فرعون وتبين له أنه في غاية البعد عن القدرة عليها وهي ربوبية { المشرق والمغرب } ، ولم يكن لفرعون إلا ملك مصر من البحر إلى أسوان وأرض الإسكندرية ، وفي قراءة ابن مسعود وأصحابه " رب المشارق والمغارب وما بينهما " .