Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 44-45)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
نبه في ذكر خلق { السماوات والأرض } على أمر يوقع الذهن على صغر قدر الأوثان وكل معبود من دون الله ، وقوله تعالى : { بالحق } أي بالواجب النير لا للعبث واللعب ، بل ليدل على سلطانه ويثبت شرائعه ويضع الدلالات لأهلها ويعم بالمنافع إلى غير ذلك مما لا يحصى عداً ، ثم أمر تعالى نبيه عليه السلام بالنفوذ لأمره وتلاوة القرآن الذي أوحي إليه ، وإقامة الصلاة أي إدامتها والقيام بحدودها ثم أخبر حكماً منه { إن الصلاة تنهى } صاحبها وممتثلها { عن الفحشاء والمنكر } . قال الفقيه الإمام القاضي : وذلك عندي بأن المصلي إذا كان على الواجب من الخشوع والإخبات وتذكر الله تعالى وتوهم الوقوف بين يدي العظمة ، وأن قلبه وإخلاصه مطلع عليه مرقوب صلحت لذلك نفسه وتذللت وخامرها ارتقاب الله تعالى فاطرد ذلك في أقواله وأعماله وانتهى عن الفحشاء والمنكر ، ولم يكد يفتر من ذلك حتى تظله صلاة أخرى يرجع بها إلى أفضل حاله ، فهذا معنى هذا الإخبار لأن صلاة المؤمن هكذا ينبغي أن تكون ، وقد روي عن بعض السلف أنه كان إذا قام إلى الصلاة ارتعد واصفر لونه فكلم في ذلك فقال : إني أقف بين يدي الله تعالى وحق لي هذا مع ملوك الدنيا فكيف مع ملك الملوك . قال الفقيه الإمام القاضي : فهذه صلاة تنهى ولا بد عن الفحشاء والمنكر ، ومن كانت صلاته دائرة حول الإجزاء لا خشوع فيها ولا تذكر ولا فضائل فتلك تترك صاحبها من منزلته حيث كان ، فإن كان على طريقة معاص تبعده من الله تركته الصلاة يتمادى على بعده وعلى هذا يخرج الحديث المروي عن ابن مسعود وابن عباس والحسن والأعمش قولهم " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم تزده من الله إلا بعداً " وقد روي أن الحسن أرسله عن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك غير صحيح السند ، سمعت أبي رضي الله عنه يقوله فإذا قررناه ونظرنا معناه فغير جائز أن نقول إن نفس صلاة العاصي تبعده من الله حتى كأنها معصية ، وإنما يتخرج ذلك على أنها لا تؤثر في تقريبه من الله تعالى بل تتركه في حاله ومعاصيه من الفحشاء والمنكر تبعده ، فلم تزده الصلاة إلا تقرير ذلك البعد الذي كان بسبيله ، فكأنها بعدته حين لم تكف بعده عن الله تعالى ، وقيل لابن مسعود إن فلاناً كثير الصلاة ، فقال : إنها لا تنفع إلا من أطاعها ، وقرأ الربيع بن أنس " إن الصلاة تأمر بالمعروف وتنهى عن الفحشاء والمنكر " ، وقال ابن عمر { الصلاة } ها هنا القرآن ، وقال حماد بن أبي سليمان وابن جريج والكلبي : إن الصلاة تنهى ما دمت فيها . قال الفقيه الإمام القاضي : وهذه عجمة وأنى هذا مما روى أنس بن مالك قال : " كان فتى من الأنصار يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا يدع شيئاً من الفواحش والسرقة إلا ركبه ، فقيل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " إن صلاته ستنهاه " فلم يلبث أن تاب وصلحت حاله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألم أقل لكم " ؟ وقوله تعالى : { ولذكر الله أكبر } قال ابن عباس وأبو الدرداء وسلمان وابن مسعود وأبو قرة : معناه ، { ولذكر الله } إياكم { أكبر } من ذكركم إياه ، وقيل معناه { ولذكر الله أكبر } مع المداومة من الصلاة في النهي عن الفحشاء والمنكر ، قال ابن زيد وقتادة معناه { ولذكر الله أكبر } من كل شيء ، وقيل لسلمان أي الأعمال أفضل ؟ فقال : أما تقرأ القرآن { ولذكر الله أكبر } . ومنه حديث الموطأ عن أبي الدرداء " ألا أخبركم بخير أعمالكم ؟ " الحديث ، وقيل معناه { ولذكر الله } كبير كأنه يحض عليه في هذين التأويلين الأخيرين . قال الفقيه الإمام القاضي : وعندي أن المعنى { ولذكر الله أكبر } على الإطلاق أي هو الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر . فالجزء الذي منه في الصلاة يفعل ذلك وكذلك يفعل في غير الصلاة لأن الانتهاء لا يكون إلا من ذاكر مراقب ، وثواب ذلك الذكر أن يذكره الله تعالى كما في الحديث " ومن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منه " ، والحركات التي في الصلاة لا تأثير لها في نهي ، والذكر النافع هو مع العلم وإقبال القلب وتفرغه إلا من الله تعالى ، وأما ما لا يتجاوز اللسان ففي رتبة أخرى ، وذكر الله تعالى العبد هو إفاضة الهدى ونور العلم عليه ، وذلك ثمرة لذكر العبد ربه ، قال الله عز وجل { فاذكروني أذكركم } [ البقرة : 152 ] وباقي الآية ضرب من التوعد والحث على المراقبة .