Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 161-163)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
تقدم القول في صيغة : وما كان لكذا أن يكون كذا ، في قوله تعالى : { وما كان لنفس أن تموت } [ آل عمران : 145 ] وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم " يغُل " بفتح الياء وضم الغين ، وبها قرأ ابن عباس وجماعة من العلماء ، وقرأ باقي السبعة " أن يُغَل " بضم الياء وفتح الغين ، وبها قرأ ابن مسعود وجماعة من العلماء ، واللفظة : بمعنى الخيانة في خفاء ، قال بعض اللغويين هي مأخوذة من الغلل وهو الماء الجاري في أصول الشجر والدوح ، قال أبو عمرو : تقول العرب : أغل الرجل يغل إغلالاً : إذا خان ، ولم يؤد الأمانة ، ومنه قول النمر بن تولب : [ الطويل ] @ جزى اللَّهُ عنّي جَمْرَة َ ابْنَةَ نَوْفَلٍ جزاءَ مُغِلٍّ بالأمانةِ كاذبِ @@ وقال شريح : ليس على المستعير غير المغل ضمان ، قال أبو علي : وتقول من الغل الذي هو الضغن : غل يغِل بكسر الغين ، ويقولون في الغلول من الغنيمة ، غل يغُل بضم الغين ، والحجة لمن قرأ يغل أن ما جاء من هذا النحو في التنزيل أسند الفعل فيه إلى الفاعل على نحو { ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء } [ يوسف : 38 ] { وما كان ليأخذ أخاه في دين الملك } [ يوسف : 76 ] { وما كان لنفس أن تموت } [ آل عمران : 145 ] { وما كان الله ليضل قوماً بعد أن هداهم } [ التوبة : 115 ] { وما كان الله ليطلعكم على الغيب } [ آل عمران : 179 ] ولا يكاد يجيء : ما كان زيد ليضرب ، فيسند الفعل فيه إلى المفعول به ، وفي هذا الاحتجاج نظر ، وروي عن ابن عباس أنه قرأ " يغُل " بضم الغين ، فقيل له : إن ابن مسعود قرأ " يغَل " بفتح الغين ، فقال ابن عباس : بلى والله ويقتل ، واختلف المفسرون في السبب الذي أوجب أن ينفي الله تعالى عن النبي أن يكون غالاً على هذه القراءة - التي هي بفتح الياء وضم الغين ، فقال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير وغيرهم : نزلت بسبب قطيفة حمراء فقدت من المغانم يوم بدر ، فقال بعض من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم : لعل رسول الله أخذها فنزلت الآية . قال القاضي أبو محمد : قيل : كانت هذه المقالة من مؤمنين لم يظنوا أن في ذلك حرجاً ، وقيل كانت من منافقين ، وقد روي أن المفقود إنما كان سيفاً ، قال النقاش : ويقال : إنما نزلت لأن الرماة قالوا يوم أحد : الغنيمة الغنيمة أيها الناس ، إنما نخشى أن يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم : من أخذ شيئاً فهو له ، فلما ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، قال : خشيتم أن نغل ؟ ونزلت هذه الآية ، وقال الضحاك : بل السبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث طلائع في بعض غزواته ثم غنم قبل مجيئهم ، فقسم للناس ولم يقسم لطلائع ، فأنزل الله تعالى عليه عتاباً ، { وما كان لنبي أن يغل } أي يقسم لبعض ويترك بعضاً ، وروي نحو هذا القول عن ابن عباس ، ويتجه على هذا أن تكون الآية إعلاماً بعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسمه للغنائم ، ورداً على الأعراب الذين صاحوا به : اقسم علينا غنائمنا يا محمد ، وازدحموا حتى اضطروه إلى السمرة التي أخذت رداءه ، ونحا إليه الزجّاج ، وقال ابن إسحاق : الآية إنما نزلت إعلاماً بأن النبي عليه السلام لم يكتم شيئاً ما أمر بتبليغه . قال القاضي : وكأن الآية على هذا في قصة - أحد - لما نزل عليه : { وشاورهم في الأمر } [ آل عمران : 159 ] إلى غير ذلك مما استحسنوه بعد إساءتهم من العفو عنهم ونحوه ، وبالجملة فهو تأويل ضعيف ، وكان يجب أن يكون " يُغِل " بضم الياء وكسر الغين ، لأنه من الإغلال في الأمانة ، وأما قراءة من قرأ " أن يُغَل " بضم الياء وفتح الغين ، فمعناها عند جمهور من أهل العلم : أن ليس لأحد أن يغله : أي يخونه في الغنيمة ، فالآية في معنى نهي الناس عن الغلول في المغانم والتوعد عليه ، وخص النبي بالذكر وإن كان ذلك محظوراً مع الأمراء لشنعة الحال مع النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن المعاصي تعظم مع حضرته لتعين توقيره ، والولاة هم عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فلهم حظهم من التوقير ، وقال بعض الناس : معنى " أن يغل " أن يوجد غالاً ، كما تقول : أحمدت الرجل وجدته محموداً ، فهذه القراءة على هذا التأويل ترجع إلى معنى " يغُل " بفتح الياء وضم الغين ، وقال أبو علي الفارسي : معنى " يُغَل " بضم الياء وفتح الغين يقال له : غللت وينسب إلى ذلك ، كما تقول أسقيته ، إذا قلت : سقاك الله كما قال ذو الرمة : [ الطويل ] @ وَأُسْقيهِ حتى كاد مِمّا أَبُثُّهُ تُكَلِّمُني أحْجَارُه وَمَلاعِبُهْ @@ وهذا التأويل موقر للنبي عليه السلام ، ونحوه في الكلام : أكفرت الرجل إذا نسبته إلى الكفر ، وقول عمر ابن الخطاب رضي الله عنه : لا آكل سمناً حتى يحياً الناس من أول ما يحيون : أي دخلون في الحيا وقوله تعالى : { ومن يغلل يأتِ بما غل يوم القيامة } وعيد لمن يغل من الغنيمة ، أو في زكاته ، فيجحدها ويمسكها ، فالفضيحة يوم القيامة بأن يأتي على رؤوس الأشهاد بالشيء الذي غل في الدنيا ، وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال : " ألا يخشى رجل منكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء ، يقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك ، ثم ذكر ذلك عليه السلام في بقرة لها خوار وجمل له رغاء ، وفرس له حمحمة " ، وروى نحو هذا الحديث ابن عباس ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء … الحديث بطوله " ، وروى نحوه أبو حميد الساعدي وعمر بن الخطاب وعبد الله بن أنيس ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أدوا الخياط والمخيط ، فقام رجل فجاء بشراك أو شراكين ، فقال رسول الله صلى الله عليه سلم : شراك أو شراكان من نار ، وقال في مدعم ، إن الشملة التي غل من المغانم يوم خيبر لتشتعل عليه ناراً " . قال القاضي : وهذه الفضيحة التي يوقع الله بالغالّ ، هي نظيرة الفضيحة التي توقع بالغادر ، في أن ينصب له لواء بغدرته حسب قوله عليه السلام ، وجعل الله هذه المعاقبات حسبما يعهده البشر ويفهمونه ، ألا ترى إلى قول الحارد : [ الكامل ] @ أسُمَيَّ وَيْحَكِ هَلْ سَمِعْتِ بِغَدْرَةٍ رفع اللِّواء لَنَا بِهَا في الْمَجمَعِ @@ وكانت العرب ترفع للغادر لواء ، وكذلك يطاف بالجاني مع جنايته ، وقد تقدم القول في نظير ، { ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } [ البقرة : 281 ] . وقوله تعالى : { أفمن اتبع رضوان الله } الآية ، توقيف على تباين المنزلتين وافتراق الحالتين ، والرضوان : مصدر ، وقرأه عاصم - فيما روي عنه - بضم الراء - وقرأ جميعهم بكسرها ، وحكى أبو عمرو الداني عن الأعمش ، أنه قرأها - بكسر الراء وضم الضاد ، وهذا كله بمعنى واحد مصدر من الرضى ، والمعنى ، اتبعوا الطاعة الكفيلة برضوان الله ، ففي الكلام حذف مضاف ، و { باء بسخط } - معناه : مضى متحملاً له ، والسخط : صفة فعل ، وقد تتردد متى لحظ فيها معنى الإرادة ، وقال الضحاك : إن هذه الآية مشيرة إلى أن من لم يغل واتقى فله الرضوان ، وإلى أن من غل وعصى فله السخط ، وقال غيره : هي مشيرة إلى أن من استشهد - بأحد - فله الرضوان ، وإلى المنافقين الراجعين عن النبي صلى الله عليه وسلم فلهم السخط ، وباقي الآية بّين . واختلف المفسرون في قوله تعالى : { هم درجات } من المراد بذلك ؟ فقال ابن إسحاق وغيره : المراد بذلك الجمعان المذكوران ، أهل الرضوان وأصحاب السخط ، أي لكل صنف منهم تباين في نفسه في منازل الجنة ، وفي أطباق النار أيضاً ، وقال مجاهد والسدي ما ظاهره : إن المراد بقوله { هم } إنما هو لمتبعي الرضوان ، أي لهم درجات كريمة عند ربهم ، وفي الكلام حذف مضاف تقديره " هم درجات " والدرجات المنازل بعضها أعلى من بعض في المسافة أو في التكرمة ، أو العذاب ، وقرأ إبراهيم النخعي " هم درجة " بالإفراد ، وباقي الآية وعيد ووعد .