Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 188-190)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف المفسرون في المراد بقوله تعالى : { الذين يفرحون } فقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه وابن زيد وجماعة : الآية نزلت في المنافقين ، وذلك أنهم كانوا إذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم للغزو تخلفوا عنه ، فإذا جاء اعتذروا إليه وقالوا : كانت لنا أشغال ونحو هذا ، فيظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم القبول ويستغفر لهم ، ففضحهم الله تعالى بهذه الآية ، فكانوا يفرحون بما يأتونه ويفعلونه من التخلف والاعتذار ، ويحبون أن يقال لهم : إنهم في حكم المجاهدين لكن العذر حبسهم ، وقالت جماعة كثيرة من المفسرين إنما نزلت الآية في أهل الكتاب أحبار اليهود ثم اختلفوا فيما هو الذي أتوه وكيف أحبوا المحمدة فقال ابن عباس رضي الله عنه : أتوا إضلال أتباعهم عن الإيمان بمحمد وفرحوا بذلك لدوام رياستهم الدنيوية ، وأحبوا أن يقال عنهم : إنهم علماء بكتاب الله ومتقدم رسالاته ، وقال ابن عباس أيضاً والضحاك والسدي : أتوا أنهم تعاقدوا وتكاتبوا من كل قطر بالارتباط إلى تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم والدفع في صدر نبوته ، وأحبوا أن يقال عنهم : إنهم أهل صلاة وصيام وعبادة ، وقالوا هم ذلك عن أنفسهم ، وقال مجاهد : فرحوا بإعجاب أتباعهم بتبديلهم تأويل التوراة ، وأحبوا حمدهم إياهم على ذلك ، وهم في الحقيقة لم يفعلوا شيئاً نافعاً ولا صحيحاً بل الحق أبلج ، وقال سعيد بن جبير : الآية في اليهود ، فرحوا بما أعطى الله آل إبراهيم من النبوءة والكتاب ، فهم يقولون : نحن على طريقهم ويحبون أن يحمدوا بذلك وهم ليسوا على طريقتهم ، وقراءة سعيد بن جبير : " أوتوا " بمعنى أعطوا بضم الهمزة والتاء ، وعلى قراءته يستقيم المعنى الذي قال . وقال ابن عباس أيضاً : إن الآية نزلت في قوم سألهم النبي عليه السلام عن شيء فكتموه الحق وقالوا له غير ذلك ، ففرحوا بما فعلوا وأحبوا أن يحمدوا بما أجابوا ، وظنوا أن ذلك قد قنع به واعتقدت صحته ، وقال قتادة : إن الآية في يهود خيبر ، نافقوا على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين مرة ، وقالوا : نحن معكم وعلى رأيكم وردء لكم وهم يعتقدون خلاف ذلك ، فأحبوا الحمد على ما أظهروا وفرحوا بذلك ، وقال الزجّاج : نزلت الآية في قوم من اليهود ، دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم وكلموه في أشياء ثم خرجوا ، فقالوا لمن لقوا من المسلمين : إن النبي أخبرهم بأشياء قد عرفوها فحمدهم المسلمون على ذلك وطمعوا بإسلامهم وكانوا قد أبطنوا خلاف ما أظهروا للمسلمين وتمادوا على كفرهم ، فنزلت الآية فيهم وقرأ جمهور الناس : " أتوا " بمعنى فعلوا ، كما تقول أتيت أمر كذا ، وقرأ مروان بن الحكم وإبراهيم النخعي : " آتوا " بالمد ، بمعنى أعطوا بفتح الهمزة والطاء . قال أبو محمد : وهي قراءة تستقيم على بعض المعاني التي تقدمت ، وقرأ سعيد بن جبير وأبو عبد الرحمن السلمي ، " أوتوا " بمعنى أعطوا ، وقد تقدمت مع معناها وقرأ أبو عمرو وابن كثير ، { لا يحسبن الذين يفرحون } " فلا يحسِبنهم " بالياء من تحت فيهما وبكسر السين وبرفع الباء في يحسبنهم ، قال أبو علي : { الذين } رفع بأنه فاعل " يحسب " ، ولم تقع " يحسبن " على شيء ، وقد تجيء هذه الأفعال لغواً لا في حكم الجمل المفيدة نحو قول الشاعر : [ الطويل ] @ وما خلت أبقى بيننا من مودة عراض المذاكي المسنفات القلائصا @@ وقال الخليل : العرب تقول : ما رأيته يقول ذلك إلا زيد ، وما ظننته يقول ذلك إلا زيد فتتجه القراءة بكون قوله : " فلا تحسبنهم " بدلاً من الأول وقد عدي إلى مفعوليه وهما الضمير ، وقوله { بمفازة } فاستغني بذلك عن تعدية الأول إليها كما استغني في قول الشاعر : [ الطويل ] @ بأيّ كِتابٍ أَوْ بأيَّةِ سُنَّةٍ تَرَى حُبَّهُمْ عاراً عليَّ وَتَحْسِبُ ؟ @@ فاستغني بتعدية أحد الفعلين عن تعدية الآخر ، والفاء في قوله { فلا تحسبنهم } زائدة ، ولذلك حسن البدل ، إذ لا يتمكن أن تكون فاء عطف ولا فاء جزاء ، فلم يبق إلا أن تكون زائدة لا يقبح وجودها بين البدل والمبدل منه ، وقوله على هذه القراءة " فلا يحسبنهم " ، فيه تعدي فعل الفاعل إلى ضمير نفسه ، نحو ظننتني أخاه ، ورأيتني الليلة عند الكعبة ، ووجدتني رجعت من الإصغاء ، وذلك أن هذه الأفعال وما كان في معناها لما كانت تدخل على الابتداء والخبر أشبهت " أن " وأخواتها ، فكما تقول : إني ذاهب ، فكذلك تقول : ظننتني ذاهباً ، ولو قلت : أظن نفسي أفعل كذا لم يحسن ، كما يحسن : أظنني فاعلاً ، قرأ نافع وابن عامر : " لا يحسبن الذين " بالياء من تحت وفتح الباء ، وكسر نافع السين ، وفتحها ابن عامر " فلا تحسبنهم " بالتاء من فوق ، وفتح الباء ، والمفعولان اللذان يقتضيهما قوله " لا يحسبن الذين " محذوفان لدلالة ما ذكر بعده ، والكلام في ذلك كما تقدم في قراءة ابن كثير ، إلا أنه لا يجوز في هذا البدل الذي ذكره في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاختلاف الفعلين واختلاف فعليهما ، وقرأ حمزة " لا تحسبن " بالتاء من فوق وكسر السين " فلا تحسبنهم " بالتاء من فوق وكسر السين وفتح الباء فـ { الذين } على هذه القراءة مفعول أول " لتحسبن " ، والمفعول الثاني محذوف لدلالة ما يجيء بعد عليه ، كما قيل آنفاً في المفعولين ، وحسن تكرار الفعل في قوله " فلا تحسبنهم " لطول الكلام ، وهي عادة العرب وذلك تقريب لذهن المخاطب ، وقرأ الضحاك بن مزاحم " فلا تحسبنهم " بالتاء من فوق وفتح السين وضم الباء ، و " المفازة " : مفعلة من فاز يفوز إذا نجا فهي بمعنى منجاة ، وسمي موضع المخاف مفازة على جهة التفاؤل ، قاله الأصمعي وقيل : لأنها موضع تفويز ومظنة هلاك ، تقول العرب : فوز الرجل إذا مات قال ثعلب : حكيت لابن الأعرابي قول الأصمعي فقال : أخطأ ، قال لي أبو المكارم : إنما سميت " مفازة " لأن من قطعها فاز ، وقال الأصمعي : سمي اللديغ سليماً تفاؤلاً ، قال ابن الأعرابي : بل لأنه مستسلم لما أصابه ، وبعد أن نهى أن يحسبوا ناجين أخبر أن لهم عذابا . ثم استفتح القول بذكر قدرة الله تعالى وملكه فقال : { ولله ملك السماوات والأرض } الآية ، قال بعض المفسرين : الآية رد على الذين قالوا : { إن الله فقير ونحن أغنياء } [ آل عمران : 181 ] وقوله تعالى : { والله على كل شيء قدير } . قال القاضي ابن الطيب وغيره : ظاهره العموم ، ومعناه الخصوص لأن الله تعالى لا يوصف بالقدرة على المحالات هو الموجود على مقتضى كلام العرب . ثم دل على مواضع النظر والعبرة ، حيث يقع الاستدلال على الصانع بوجود السماوات والأرضين والمخلوقات دال على العلم ، ومحال أن يكون موجود عالم مريد غير حي ، فثبت بالنظر في هذه الآية عظم الصفات { واختلاف الليل والنهار } هو تعاقبهما ، إذ جعلهما الله خلفة ، ويدخل تحت لفظة الاختلاف كونهما يقصر هذا ويطول الآخر وبالعكس ، ويدخل في ذلك اختلافهما بالنور والظلام ، و " الآيات " : العلامات و { الألباب } في هذه الآية : هي ألباب التكليف لا ألباب التجربة ، لأن كل من له علوم ضرورية يدركها فإنه يعلم ضرورة ما قلناه من صفات الله تعالى .