Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 27-28)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الرؤية في قوله { ألم تر } رؤية القلب ، وكل توقيف في القرآن على رؤية فهي رؤية القلب ، لأن الحجة بها تقوم ، لكن رؤية القلب لا تتركب البتة إلا على حاسة ، فأحياناً تكون الحاسة البصر وقد تكون غيره ، وهذا يعرف بحسب الشيء المتكلم فيه ، و { أن } سادت مسد المفعولين الذين للرؤية ، هذا مذهب سيبويه لأن { أن } جملة مع ما دخلت عليه ، ولا يلزم ذلك في قولك رأيت وظننت ذلك ، لأن قولك ذلك ليس بجملة كما هي { أن } ومذهب الزجاج أن المفعول الثاني محذوف تقديره { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء } حقاً ، ورجع من خطاب بذكر الغائب إلى المتكلم بنون العظمة لأنها أهيب في العبارة ، وقوله { ألوانها } يحتمل أن يريد الحمرة والصفرة والبياض والسواد وغير ذلك ، ويؤيد هذا اطراد ذكر هذه الألوان فيما بعد ، ويحتمل أن يريد بالألوان الأنواع ، والمعتبر فيه على هذا التأويل أكثر عدداً ، و { جدد } جمع جدة ، وهي الطريقة تكون من الأرض والجبل كالقطعة العظيمة المتصلة طولاً ، ومنه قول امرىء القيس : [ الطويل ] @ كأنّ سراته وحدَّة متنه كنائن يحوي فوقهن دليص @@ وحكى أبو عبيدة في بعض كتبه أنه يقال { جدد } في جمع جديد ، ولا مدخل لمعنى الجديد في هذه الآية ، وقرأ الزهري " جَدد " بفتح الجيم ، وقوله { وغرابيب سود } لفظان لمعنى واحد ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله يبغض الشيخ الغربيب " ، يعني الذي يخضب بالسواد ، وقدم الوصف الأبلغ ، وكان حقه أن يتأخر وكذلك هو في المعنى ، لكن كلام العرب الفصيح يأتي كثيراً على هذا النحو ، وقوله { مختلف ألوانه } قبله محذوف إليه يعود الضمير تقديره { والأنعام } خلق { مختلف ألوانه } ، { والدواب } يعم الناس والأنعام لكن ذكرا تنبيهاً منهما ، وقوله { كذلك } يحتمل أن يكون من الكلام الأول فيجيء الوقف عليه حسناً ، وإلى هذا ذهب كثير من المفسرين ، ويحتمل أن يكون من الكلام الثاني يخرج مخرج السبب كأنه قال كما جاءت القدرة في هذا كله ، { إنما يخشى الله من عباده العلماء } أي المحصلون لهذه العبرة الناظرون فيها . قال القاضي أبو محمد : وقال بعض المفسرين الخشية رأس العلم ، وهذه عبارة وعظية لا تثبت عند النقد ، بل الصحيح المطرد أن يقال العلم رأس الخشية ، وسببها والذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " خشية الله رأس كل حكمة " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " رأس الحكمة مخافة الله " ، فهذا هو الكلام المنير ، وقال ابن عباس في تفسير هذه الآية كفى بالزهد علماً ، وقال مسروق وكفى بالمرء علماً أن يخشى الله ، وقال تعالى : { سيذكر من يخشى } [ الأعلى : 1 ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أعلمكم بالله أشدكم له خشية " ، وقال الربيع بن أنس : من لم يخش الله فليس بعالم ، ويقال إن فاتحة الزبور رأس الحكمة خشية الله . وقال ابن مسعود : كفى بخشية الله علماً وبالاغترار ، به جهلاً ، وقال مجاهد والشعبي : إنما العالم من يخشى الله ، وإنما في هذه الآية تخصيص { العلماء } لا للحصر ، وهي لفظة تصلح للحصر وتأتي أيضاً دونه ، وإنما يعلم ذلك بحسب المعنى الذي جاءت فيه ، فإذا قلت إنما الشجاع عنترة ، وإذا قلت إنما الله إله واحد ، بان لك الفرق فتأمله ، وهذه الآية بجملتها دليل على الوحدانية والقدرة والقصد بها إقامة الحجة على كفار قريش .