Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 11-18)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الاستفتاء نوع من أنواع السؤال وكأنه سؤال من يهتبل بقوله ويجعل حجة ، وكذلك هي أقوالهم في هذا الفصل لأنهم لا يمكنهم أن يقولوا إلا أن خلق من سواهم من الملائكة والجن والسماوات والأرض والمشارق وغير ذلك هو أشد من هؤلاء المخاطبين ، وبأن الضمير في { خلقنا } يراد به ما تقدم ذكره ، قال مجاهد وقتادة وغيرهما وفي مصحف ابن مسعود " أم من عددنا " يريد من { الصافات } وغيرها { والسماوات والأرض وما بينهما } [ الصافات : 1 ] ، وكذلك قرأ الأعمش " أمَن " مخففة الميم دون { أم } ، ثم أخبر تعالى إخباراً جزماً عن خلقه لآدم الذي هو أبو البشر وأضاف الخلق من الطين إلى جميع الناس من حيث الأب مخلوق منه ، وقال الطبري : خلق آدم من تراب وماء ونار وهواء وهذا كله إذا خلط صار طيناً لازباً ، واللازب أي يلزم ما جاوره ويلصق به ، وهو الصلصال كالفخار ، وعبر ابن عباس وعكرمة عن " اللازب " بالجر الكريم الجيد وحقيقة المعنى ما ذكرناه ، يقال ضربة لازم وضربة لازب بمعنى واحد ، وقرأ جمهور القراء " بل عجبتَ " بفتح التاء ، أي عجبت يا محمد عن إعراضهم عن الحق وعماهم عن الهدى وأن يكونوا كافرين مع ما جئتهم به من عند الله ، وقرأ حمزة والكسائي " بل عجبتُ " بضم التاء ، ورويت عن علي وابن مسعود وابن عباس وابن وثاب والنخعي وطلحة وشقيق والأعمش وذلك على أن يكون تعالى هو المتعجب ، ومعنى ذلك من الله أنه صفة فعل ، ونحوه قول النبي صلى الله عليه وسلم " يعجب الله تعالى إلى قوم يساقون إلى الجنة في السلاسل " ، وقوله عليه السلام " يعجب الله من الشاب ليست له صبوة " ، فإنما هي عبارة عما يظهره تعالى في جانب المتعجب منه من التعظيم والتحقير حتى يصير الناس متعجبين منه ، فمعنى هذه الآية بل عجبت من ضلالتهم وسوء نحلتهم ، وجعلتها للناظرين ، وفيما اقترن معها من شرعي وهداي متعجباً ، وروي عن شريح أنه أنكر هذه القراءة وقال إن الله تعالى لا يعجب ، وقال الأعمش : فذكرت ذلك لإبراهيم ، فقال إن شريحاً كان معجباً بعلمه وإن عبد الله أعلم منه ، وقال مكي وعلي بن سليمان في كتاب الزهراوي : هو إخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه كأن المعنى قل بل عجبت ، وقوله { يسخرون } أي وهم يسخرون من نبوءتك والحق الذي عندك ، وقوله تعالى { وإذا رأوا آية يستسخرون } ، يريد بالآية العلامة والدلالة ، وروي أنها نزلت في ركانة وهو رجل من المشركين من أهل مكة لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في جبل خال وهو يرعى غنماً له وهو أقوى أهل زمانه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا ركانة أرأيت إن صرعتك أتؤمن بي ؟ " قال : نعم ، فصرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ثم عرض عليه آيات من دعاء شجرة وإقبالها ونحو ذلك مما اختلف فيه العلماء وألفاظ الحديث ، فلما فرغ من ذلك كله لم يؤمن وجاء إلى مكة فقال : يا بني هاشم ساحروا بصاحبكم أهل الأرض فنزلت هذه الآية فيه وفي نظرائه ، وقوله { يستسخرون } معناه يطلبون أن يكونوا ممن يسخر ، ويجوز أن يكون بمعنى يسخرون كقوله تعالى : { واستغنى الله } [ التغابن : 6 ] فيكون فعل واستفعل بمعنى ، وبـ " يسخرون " فسره مجاهد وقتادة ، وفي بعض القراءات القديمة " يستسحرون " بالحاء غير منقوطة ، وهذه عبارة عما قال ركانة لأنه استسحر النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ " مُتنا " بضم الميم أبو جعفر وابن أبي إسحاق وعاصم وأبو عمرو والعامة ، وقرأ بكسر الميم الحسن والأعرج وشيبة ونافع ، وقرأ أبو جعفر ونافع وشيبة أيضاً " أوْ آباؤنا " بسكون الواو وهي " أو " التي هي للقسمة والتخيير ، وقرأ الجمهور " أوَ آباؤنا " بفتح الواو وهي واو العطف دخلت عليها ألف الاستفهام ، ثم أمره تعالى أن يجيب تقريرهم بـ { نعم } وأن يزيدهم في الجواب أنهم مع البعث في صغار وذلة واستكانة ، وقرأ ابن وثاب " نعِم " بكسر العين ، و " الداخر " الصاغر الذليل وقد تقدم غير مرة ذكر القراءات في قوله { أئذا } على الخبر والاستفهام وما يلحقها من مد وتركه وإظهار همز وتسهيله .