Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 41-44)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أيوب } هو نبي من بني إسرائيل من ذرية يعقوب عليه السلام ، وهو نبي ابتلي في جسده وماله وأهله ، وسلم دينه ومعتقده ، وروي في ذلك أن الله سلط الشيطان عليه ليفتنه عن دينه ، فأصابه في ماله ، وقال له : إن أطعتني رجع مالك ، فلم يطعه ، فأصابه في أهله وولده ، فهلكوا من عند آخرهم ، وقال له : لو أطعتني رجعوا ، فلم يطعه ، فأصابه في جسده ، فثبت أيوب على أمر الله سبع سنين وسبعة أشهر ، قاله قتادة . وروى أنس عن النبي عليه السلام أن أيوب بقي في محنته ثماني عشر سنة يتساقط لحمه حتى مله العالم ، ولم يصبر عليه إلا امرأته . وروي أن السبب الذي امتحن الله أيوب من أجله هو : أنه دخل على بعض الملوك فرأى منكراً فلم يغيره . وروي أن السبب : كان أنه ذبح شاة وطبخها وأكلت عنده ، وجار له جائع لم يعطه منها شيئاً . وروي أن أيوب لما تناهى بلاؤه وصبره ، مر به رجلان ممن كان بينه وبينهما معرفة فتقرعاه ، وقالا له : لقد أذنبت ذنباً ما أذنب أحد مثله ، وفهم منهما شماتاً به ، فعند ذلك دعا ونادى ربه . وقوله عليه السلام : { مسني الشيطان } يحتمل أن يشير إلى مسه حين سلطه الله عليه حسبما ذكرنا ، ويحتمل أن يريد : مسه إياه حين حمله في أول الأمر على أن يواقع الذنب الذي من أجله كانت المحنة ، إما ترك التغيير عند الملك ، وإما ترك مواساة الجار . وقيل أشار إلى مسه إياه في تعرضه لأهله وطلبه منه أن يشرك بالله ، فكان أيوب يتشكى هذا الفعل ، وكان أشد عليه من مرضه . وقرأ الجمهور : " أني " بفتح الهمزة . وقرأ عيسى بن عمر : " إني " بكسرها . وقوله : { أني } في موضع نصب بإسقاط حرف الجر . وقرأ جمهور الناس : " بنُصْب " بضم النون وسكون الصاد . وقرأ هبيرة عن حفص عن عاصم : " بنَصَب " بفتح النون والصاد ، وهي قراءة الجحدري ويعقوب ، ورويت عن الحسن وأبي جعفر . وقرأ أبو عمارة عن حفص عن عاصم : " بنُصُب " بضم النون والصاد ، وهي قراءة أبي جعفر بن القعقاع والحسن بخلاف عنه ، وروى أيضاً هبيرة عن حفص عن عاصم بفتح النون وسكون الصاد ، وذلك كله بمعنى واحد ، معناه المشقة ، وكثيراً ما يستعمل النصب في مشقة الإعياء ، وفرق بعض الناس بين هذه الألفاظ ، والصواب أنها لغات بمعنى ، من قولهم أنصبني الأمر ونصبني إذا شق علي ، فمن ذلك الشاعر [ الطويل ] @ تبغاك نصب من أميمة منصب @@ ومثله قول النابغة : [ الطويل ] @ كليني لهمٍّ يا أميمة ناصب @@ قال القاضي أبو محمد : وقد قيل في هذا البيت إن ناصباً بمعنى منصب ، وأنه على النسب ، أي ذا نصب ، وهنا في الآية محذوف كثير ، تقديره : فاستجاب له . وقال { اركض برجلك } والركض : الضرب بالرجل ، والمعنى : اركض الأرض . وروي عن قتادة أن هذا الأمر كان في الجابية من أرض الشام . وروي أن أيوب أمر بركض الأرض فركض فيها ، فنبعت له عين ماء صافية باردة فشرب منها ، فذهب كل مرض في داخل جسده ، ثم اغتسل فذهب ما كان في ظاهر بدنه . وروي أنه ركض مرتين ونبع له عينان : شرب من إحداهما ، واغتسل في الأخرى وقرأ نافع وشيبة وعاصم والأعمش . " بعذاب اركض " ، بضم نون التنوين . وقرأ عامة قراء البصرة : " بعذاب اركض " ، بنون مكسورة و : { مغتسل } معناه : موضع غسل ، وماء غسل ، كما تقول : هذا الأمر معتبر ، وهذا الماء مغتسل مثله . وروي أن الله تعالى وهب له أهله وماله في الدنيا ، ورد من مات منهم ، وما هلك من ماشيته وحاله ثم بارك في جميع ذلك ، وولد له الأولاد حتى تضاعف الحال . وروي أن هذا كله وعد في الآخرة ، أي يفعل الله له ذلك في الآخرة ، والأول أكثر في قول المفسرين . و { رحمة } نصب على المصدر . وقوله : { وذكرى } معناه : موعظة وتذكرة يعتبر بها أهل العقول ويتأسون بصبره في الشدائد ولا ييأسون من رحمة الله على حال . وروي أن أيوب عليه السلام كانت زوجته مدة مرضه تختلف إليه ، فيلقاها الشيطان في صورة طبيب ، ومرة في هيسة ناصح وعلى غير ذلك ، فيقول لها : لو سجد هذا المريض للصنم الفلاني لبرىء ، لو ذبح عناقاً للصنم الفلاني لبرىء ويعرض عليها وجوهاً من الكفر ، فكانت هي ربما عرضت ذلك على أيوب ، فيقول لها : ألقيت عدو الله في طريقك ؟ فلما أغضبته بهذا ونحوه ، حلف لها لئن برىء من مرضه ليضربنها مائة سوط ، فلما برىء أمره الله أن يأخذ ضغثاً فيه مائة قضيب . و " الضغث " القبضة الكبيرة من القضبان ونحوها من الشجرة الرطب ، قاله الضحاك وأهل اللغة فيضرب به ضربة واحدة فتبر يمينه ، ومنه قولهم : ضغث على إبالة . والإبالة : الحزم من الحطب . و " الضغث " : القبضة عليها من الحطب أيضاً ، ومنه قول الشاعر [ عوف بن الخرع ] : [ الطويل ] @ وأسفل مني نهدة قد ربطتها وألقيت ضغثاً من خلى متطبب @@ ويروى متطيب . هذا حكم قد ورد في شرعنا عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله في حد زنا لرجل زمن ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعذق نخلة فيها شماريخ مائة أو نحوها ، فضرب به ضربة ، ذكر الحديث أبو داود ، وقال بهذا بعض فقهاء الأمة ، وليس يرى ذلك مالك بن أنس وجميع أصحابه ، وكذلك جمهور العلماء على ترك القول به ، وأن الحدود والبر في الأيمان لا يقع إلا بإتمام عدد الضربات .