Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 119-122)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { ولأضلنهم } معناه أصرفهم عن طريق الهدى ، { ولأمنينهم } لأسولن لهم . قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله : وهذا لا ينحصر إلى نوع واحد من الأمنية ، لأن كل واحد في نفسه إنما تمنيه بقدر نصبته وقرائن حاله ، ومنه قوله عليه السلام : " إن الشيطان يقول لمن يركب ولا يذكر الله : تغن ، فإن لم يحسن قال له تمن " ، واللامات كلها للقسم ، " والبتك " : القطع ، وكثر الفعل إذ القطع كثير على أنحاء مختلفة ، وإنما كنى عز وجل عن البحيرة والسائبة ونحوه مما كانوا يثبتون فيه حكماً ، بسبب آلهتهم وبغير ذلك ، وقرأ أبو عمرو بن العلاء { ولآمرنهم } بغير ألف ، وقرأ أبيّ " وأضلهم وأمنيهم وأمرهم " واختلف في معنى " تغيير خلق الله " ، فقال ابن عباس وإبراهيم ومجاهد والحسن وقتادة وغيرهم : أراد : يغيرون دين الله , وذهبوا في ذلك إلى الاحتجاج بقوله تعالى : { فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله } [ الروم : 30 ] أي لدين الله ، والتبديل يقع موضعه التغيير ، وإن كان التغيير أعم منه ، وقالت فرقة : " تغيير خلق الله " هو أن الله تعالى خلق الشمس والنار والحجارة وغيرها من المخلوقات ليعتبر بها وينتفع بها ، فغيرها الكفار بأن جعلوها آلهة معبودة ، وقال ابن عباس أيضاً وأنس وعكرمة وأبو صالح : من تغيير خلق الله الإخصاء ، والآية إشارة إلى إخصاء البهائم وما شاكله ، فهي عندهم أشياء ممنوعة ، ورخص في إخصاء البهائم جماعة إذا قصدت به المنفعة ، إما السمن أو غيره ، ورخصها عمر بن عبد العزيز في الخيل ، وقال ابن مسعود والحسن : هي إشارة إلى الوشم وما جرى مجراه من التصنع للحسن ، فمن ذلك الحديث : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمات والموشومات والمتنمصات والمتفلجات المغيرات خلق الله " ومنه قوله عليه السلام ، " لعن الله الواصلة والمستوصلة " وملاك تفسير هذه الآية : أن كل تغيير ضار فهو في الآية ، وكل تغيير نافع فهو مباح ، ولما ذكر الله تعالى عتو الشيطان وما توعد به من بث مكره ، حذره تبارك وتعالى عباده ، بأن شرط لمن يتخذه ولياً جزاء الخسران ، وتصور الخسران إنما هو بأن أخذ هذا المتخذ حظ الشيطان ، فكأنه أعطى حظ الله تبارك وتعالى فيه وتركه من أجله . وقوله تعالى : { يعدهم ويمنيهم } : يعدهم بأباطيله من المال والجاه ، وأن لا بعث ولا عقاب ونحو ذلك لكل أحد ما يليق بحاله ، ويمنيهم كذلك ، ثم ابتدأ تعالى الخبر عن حقيقة ذلك بقوله : { وما يعدهم الشيطان إلا غروراً } . ثم أخبر تعالى بمصير المتخذين الشيطان ولياً وتوعدهم بأن { مأواهم جهنم } ، ولا يدافعونها بحيلة ، ولا يعدلون عنها ، ولا ينحرفون ولا يتروغون ، و " المحيص " مفعول من حاص إذا راغ ونفر ، ومنه قول الشاعر [ جعفر بن علبة الحارثي ] : [ الطويل ] @ وَلَمْ أَدْرِ إنْ حِصْنَا مِنَ الْمَوْتِ حِيصَةً كَمِ العُمْرُ باقٍ والْمَدَى مُتَطَاوِلُ @@ ومنه الحديث ، فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب ، يقال حاص الرجل من كذا ، وجاض بالجيم والضاد المنقوطة إذا راغ بنفور ، ولغة القرآن الحاء والصاد غير منقوطة . ولما أخبر تعالى عن الكفار الذين يتخذون الشيطان ولياً ، وأعلم بغرور وعد الشيطان لهم ، وأعلم بصيور أمرهم وأنه إلى جهنم ، فاقتضى ذلك كله التحذير ، أعقب ذلك - عز وجل - بالترغيب في ذكره حالة المؤمنين ، وأعلم بصيور أمرهم وأنه إلى النعيم المقيم ، وأعلم بصحة وعده تعالى لهم ، ثم قرر ذلك بالتوقيف عليه في قوله { ومن أصدق من الله قيلاً } والقيل والقول واحد ، ونصبه على التمييز ، وقرأت فرقة " سندخلهم " بالنون وقرأت فرقة " سيدخلهم " بالياء ، و { وعد الله } نصب على المصدر . و { حقا } مصدر أيضاً مؤكد لما قبله .