Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 123-125)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اسم { ليس } مضمر ، و " الأماني " : جمع أمنوية ، وزنها أفعولة ، وهي : ما يتمناه المرء ويطيع نفسه فيه ، وتجمع على أفاعيل ، فتجتمع ياءان فلذلك تدغم إحداهما في الأخرى فتجيء مشددة وهي قراءة الجمهور ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وأبو جعفر بن القعقاع وشيبة بن نصاح والحكم والأعرج ، " ليس بأمانيكم " ساكنة الياء ، وكذلك في الثانية ، قال الفراء : هذا جمع على أفاعل ، كما يقال قراقير وقراقر إلى غير ذلك . واختلف الناس فيمن المخاطب بهذه الآية ؟ فقال ابن عباس والضحاك وأبو صالح ومسروق وقتادة والسدي وغيرهم : الخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال بعضهم : وسبب الآية أن المؤمنين اختلفوا مع قوم من أهل الكتاب ، فقال أهل الكتاب : ديننا أقدم من دينكم وأفضل ، ونبينا قبل نبيكم ، فنحن أفضل منكم ، وقال المؤمنون : كتابنا يقضي على الكتب ، ونبينا خاتم النبيين ، أو نحو هذا من المحاورة ، فنزلت الآية ، وقال مجاهد وابن زيد : بل الخطاب لكفار قريش ، وذلك أنهم قالوا : لن نبعث ولا نعذب ، وإنما هي حياتنا الدنيا لنا فيها النعيم ثم لا عذاب ، وقالت اليهود { نحن أبناء الله وأحباؤه } [ المائدة : 18 ] ، إلى نحو هذا من الأقوال ، كقولهم { لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى } [ البقرة : 111 ] ، وغيره ، فرد الله تعالى على الفريقين بقوله { ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب } ثم ابتدأ الخبر الصادق من قبله بقوله { من يعمل سوءاً يجز به } وجاء هذا اللفظ عاماً في كل سوء فاندرج تحت عمومه الفريقان المذكوران ، واختلف المتأولون في تعميم لفظ هذا الخبر ، فقال الحسن بن أبي الحسن : هذه الآية في الكافر ، وقرأ { وهل يجازى إلا الكفور } [ سبأ : 17 ] قال : والآية يعني بها الكفار ، ولا يعني بها أهل الصلاة ، وقال : والله ما جازى الله أحداً بالخير والشر إلا عذبه ، ولكنه يغفر ذنوب المؤمنين ، وقال ابن زيد : في قوله تعالى { من يعمل سوءاً يجز به } وعد الله المؤمنين أن يكفر عنهم سيئاتهم ، ولم يعد أولئك يعني المشركين ، وقال الضحاكَ { ومن يعمل سوءاً يجز به } يعني بذلك اليهود والنصارى والمجوس وكفار العرب . قال القاضي أبو محمد عبد الحق : فهذا تخصيص للفظ الآية ، ورأى هؤلاء أن الكافر يجزى على كل سوء يعمله وأن المؤمن قد وعده الله تكفير سيئاته ، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير : قوله تعالى : { من يعمل سوءاً } معناه ، من يك مشركاً والسوء هنا الشرك فهو تخصيص لعموم اللفظ من جهة أخرى ، لأن أولئك خصصوا لفظ { من } ، وهذان خصصا لفظ السوء ، وقال جمهور الناس : لفظ الآية عام ، والكافر والمؤمن مجازى بالسوء يعمله ، فأما مجازاة الكافر فالنار ، لأن كفره أوبقه ، وأما المؤمن فبنكبات الدنيا ، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : لما نزلت { من يعمل سوءاً يجز به } قلت يا رسول الله ما أشد هذه الآية ، فقال : يا أبا بكر أما تحزن أما تمرض أما تصيبك اللأواء ؟ فهذا بذلك ، وقال عطاء بن أبي رباح : لما نزلت هذه الآية ، قال أبو بكر : جاءت قاصمة الظهر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنما هي المصيبات في الدنيا ، وقالت بمثل هذا التأويل عائشة رضي الله عنها ، وقال أبيّ بن كعب ، وسأله الربيع بن زياد عن معنى الآية وكأنه خافها ، فقال له أبيّ : ما كنت أظنك إلا أفقه مما رأى ، ما يصيب الرجل خدش ولا غيره إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر . قال القاضي أبو محمد - رحمه الله - : فالعقيدة في هذا : أن الكافر مجازى والمؤمن يجازى في الدنيا غالباً ، فمن بقي له سوء إلى الآخرة فهو في المشيئة ، يغفر الله لمن يشاء ، ويجازي من يشاء ، وقرأ الجمهور " ولا يجدْ " بالحزم عطفاً على { يجز } ، وروى ابن بكار عن ابن عامر : " ولا يجدُ " بالرفع على القطع ، وقوله { من دون } لفظة تقتضي عدم المذكور بعدها من النازلة ، ويفسرها بعض المفسرين بغير ، وهو تفسير لا يطرد . وقوله تعالى : { ومن يعمل من الصالحات } دخلت { من } للتبعيض إذ ، { الصالحات } على الكمال مما لا يطيقه البشر ، ففي هذا رفق بالعباد ، لكن في هذا البعض الفرائض وما أمكن من المندوب إليه ، ثم قيد الأمر بالإيمان إذ لا ينفع عمل دونه ، وحكى الطبري عن قوم : أن { من } زائدة ، وضعفه كما هو ضعيف ، وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي : " يَدخُلون الجنة " بفتح الياء وضم الخاء ، وكذلك حيث جاء من القرآن ، وروي مثل هذا عن عاصم ، وقرأ أبو عمرو في هذه الآية وفي مريم والملائكة وفي المؤمن " يُدخَلون " بضم الياء وفتح الخاء ، وقرأ بفتح الياء من { سيدخلون جهنم داخرين } [ غافر : 60 ] و " النقير " النكتة التي في ظهر نواة التمرة ومنه تنبت ، وروي عن عاصم " النقير " ما تنقره بأصبعك ، وهذا كله مثال للحقير اليسير . قال القاضي أبو محمد رحمه الله : فهنا كمل الرد على أهل الأماني والإخبار بحقيقة الأمر . ثم أخبر تعالى إخباراً موقفاً على أنه لا أحسن ديناً ممن { أسلم وجهه لله } ، أي أخلص مقصده وتوجهه . وأحسن في أعماله ، واتبع الحنفية التي هي { ملة إبراهيم } ، إمام العالم وقدوة أهل الأديان ، ثم لما ذكر الله تعالى إبراهيم بأنه الذي يجب اتباعه ، شرفه بذكر الخلة ، وإبراهيم صلى الله عليه وسلم سماه الله خليلاً ، إذ كان خلوصه وعبادته واجتهاده على الغاية التي يجري إليها المحب المبالغ ، وكان لطف الله به ورحمته ونصرته له بحسب ذلك ، وذهب قوم إلى أن إبراهيم سمي خليلاً من الخلة بفتح الخاء ، أي لأنه أنزل خلته وفاقته بالله تعالى ، وقال قوم : سمي خليلاً لأنه فيما روي في الحديث جاء من عند خليل كان له بمصر وقد حرمه الميرة التي قصد لها ، فلما قرب من منزله ملأ غرارتيه رملاً ليتأنس بذلك صبيته ، فلما دخل منزله نام كلالاً وهماً ، فقامت امرأته وفتحت الغرارة ، فوجدت أحسن ما يكون من الحواري ، فعجنت منه ، فلما انتبه قال : ما هذا ؟ قالت من الدقيق الذي سقت من عند خليلك المصري فقال : بل هو من عند خليلي الله تعالى ، فسمي بذلك خليلاً . قال القاضي أبو محمد رحمه الله - : وفي هذا ضعف ، ولا تقتضي هذه القصة أن يسمى بذلك اسماً غالباً ، وإنما هو شيء شرفه الله به كما شرف محمداً صلى الله عليه وسلم ، فقد صح في كتاب مسلم وغيره : أن الله اتخذه خليلاً .