Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 141-143)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ الذين } صفة للمنافقين ، و { يتربصون } معناه : ينتظرون دور الدوائر عليكم ، فإن كان فتح للمؤمنين ادعوا فيه النصيب بحكم ما يظهرونه من الإيمان ، وإن كان للكافرين نيل من المؤمنين ادعوا فيه النصيب بحكم ما يبطنونه من موالاة الكفار ، وهذا حال المنافقين ، و { نستحوذ } معناه : نغلب على أمركم ، ونحطكم ونحسم أمركم ، ومنه قول العجاج في صفة ثور وبقر : [ الرجز ] @ يحوذهن وله حوذي @@ أي يغلبهن على أمرهن ، ويغلب الثيران عليهن ، ويروى يحوزهن بالزاي ، ومن اللفظة قول لبيد في صفة عير وأتن : @ إذا اجتمعت وأحوذ جانبيها وأوردها على عوج طوال @@ أحوذ جانبيها قهرها وغلب عليها ، وقوله تعالى : { استحوذ عليهم الشيطان } [ المجادلة : 19 ] معناه : غلب عليهم ، وشذ هذا الفعل في أن لم تعل واوه ، بل استعملت على الأصل ، وقرأ أبيّ بن كعب " ومنعناكم من المؤمنين " وقرأ ابن أبي عبلة " ونمنعكم " بفتح العين على الصرف ، ثم سلى وأنس المؤمنين بما وعدهم به في قوله { فالله يحكم بينكم يوم القيامة } أي وبينهم وينصفكم من جميعهم ، وبقوله { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً } وقال يسيع الحضرمي : كنت عند علي ابن أبي طالب فقال له رجل : يا أمير المؤمنين أرأيت قول الله تعالى : { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً } كيف ذلك وهم يقاتلوننا , ويظهرون علينا أحياناً ؟ فقال علي رضي الله عنه : معنى ذلك : يوم القيامة يكون الحكم ، وبهذا قال جميع أهل التأويل . و " السبيل " : الحجة والغلبة ، ومخادعة المنافقين هي لأولياء الله تعالى ، إذ يظنونهم غير أولياء ، ففي الكلام حذف مضاف ، وإلزام ذنب اقتضته أفعالهم ، وإن كانت نياتهم لم تقتضه ، لأنه لا يقصد أحد من البشر مخادعة الله تعالى وقوله { وهو خادعهم } أي منزل الخداع بهم , وهذه عبارة عن عقوبة سماها باسم الذنب ، فعقوبتهم في الدنيا ذلهم وخوفهم وغم قلوبهم ، وفي الآخرة عذاب جهنم ، وقال السدي وابن جريج والحسن وغيرهم من المفسرين : إن هذا الخدع هو أن الله تعالى يعطي لهذه الأمة يوم القيامة نوراً لكل إنسان مؤمن أو منافق ، فيفرح المنافقون ويظنون أنهم قد نجوا ، فإذا جاؤوا إلى الصراط طفىء نور كل منافق ، ونهض المؤمنون بذاك ، فذلك قول المنافقين " انظرونا نقتبس من نوركم " وذلك هو الخدع الذي يجري على المنافقين ، وقرأ مسلمة بن عبد الله النحوي " وهو خادعْهم " بإسكان العين وذلك على التخفيف ثم ذكر تعالى كسلهم في القيام إلى الصلاة ، وتلك حال كل من يعمل العمل كارهاً غير معتقد فيه الصواب تقية أو مصانعة ، وقرأ ابن هرمز الأعرج " كَسالى " بفتح الكاف ، وقرأ جمهور الناس " يرءّون " بهمزة مضمومة مشددة بين الراء والواو دون ألف ، وهي تعدية رأى بالتضعيف وهي أقوى في المعنى من { يراءون } لأن معناها يحملون الناس على أن يروهم ، ويتظاهرون لهم بالصلاة وهم يبطنون النفاق ، وتقليله ذكرهم يحتمل وجهين ، قال الحسن : قل لأنه كان لغير الله ، فهذا وجه ، والآخر أنه قليل بالنسبة إلى خوضهم في الباطل وقولهم الزور والكفر ، و { مذبذبين } معناه : مضطربين لا يثبتون على حال : والتذبذب : الاضطراب بخجل أو خوف أو إسراع في مشي ونحوه ، ومنه قول النابغة : @ ترى كل ملك دونها يتذبذب @@ ومنه قول الآخر : [ البعيث بن حريث ] : @ خَيَالٌ لأُمِّ السَّلْسَبيلِ وَدُونَها مَسِيرةُ شَهْرٍ للْبَرِيدِ المُذَبْذَبِ @@ بكسر الذال الثانية ، قال أبو الفتح : أي المهتز القلق الذي لا يثبت ، ولايتمهل فهؤلاء المنافقون مترددون بين الكفار والمؤمنين ، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين " فالإشارة بذلك إلى حالي الكفر والإيمان ، وأشار إليه وإن لم يتقدم ذكره ، لظهور تضمن الكلام له ، كما جاء { حتى توارت بالحجاب } [ ص : 32 ] { وكل من عليها فان } [ الرحمن : 26 ] وقرأ جمهور الناس " مذبذَبين " بفتح الذال الأولى والثانية ، وقرأ ابن عباس وعمرو بن فائد ، " مذَبذِبين " بكسر الذال الثانية , وقرأ أبي بن كعب " متذبذِبين " بالتاء وكسر الذال الثانية , وقرأ الحسن بن أبي الحسن " مَذَبذَبين " بفتح الميم والذالين وهي قراءة مردودة وقوله تعالى : { فلن تجد له سبيلاً } معناه سبيل هدى وإرشاد .