Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 144-147)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
خطابه تعالى للمؤمنين ، يدخل فيه بحكم الظاهر المنافقون المظهرون للإيمان ، ففي اللفظ رفق بهم ، وهم المراد بقوله تعالى : { أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً } لأن التوقيف إنما هو لمن ألم بشيء من الفعل المؤدي إلى هذه الحال ، والمؤمنون المخلصون مما ألموا قط بشيء من ذلك ، ويقوي هذا المنزع قوله تعالى : { من دون المؤمنين } أي والمؤمنون العارفون المخلصون غيب عن هذه الموالاة وهذا لا يقال للمؤمنين المخلصين ، بل المعنى : يا أيها الذين أظهروا الإيمان والتزموا لوازمه ، و " السلطان " : الحجة ، وهي لفظة تؤنث وتذكر ، والتذكير أشهر ، وهي لغة القرآن حيث وقع ، والسلطان إذا سمي به صاحب الأمر فهو على حذف مضاف ، والتقدير : ذو السلطان أي ذو الحجة على الناس ، إذ هو مدبرهم ، والناظر في منافعهم ، ثم أخبر تعالى عن المنافقين أنهم { في الدرك الأسفل } من نار جهنم ، وهي ادراك بعضها فوق بعض سبعة طبقة على طبقة ، أعلاها هي جهنم وقد يسمى جميعها باسم الطبقة العليا ، فالمنافقون الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر هم في أسفل طبقة من النار ، لأنهم أسوأ غوائل من الكفار وأشد تمكناً من أذى المسلمين ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو " في الدرَك " مفتوحة الراء ، وقرأ حمزة والكسائي والأعمش ويحيى بن وثاب " في الدرْك " بسكون الراء ، واختلف عن عاصم فروي عنه الفتح والسكون ، وهما لغتان ، قال أبو علي : كالشمع والشمع ونحوه ، وروي عن أبي هريرة وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم قالوا : المنافقون في الدرك الأسفل من النار في توابيت من النار تقفل عليهم ، و " النصير " : بناء مبالغة من النصر ، ثم استثنى عزو جل التائبين من المنافقين ، ومن شروط التائب أن يصلح في قوله وفعله ، ويعتصم بالله ، أي يجعله منعته وملجأه ، ويخلص دينه لله تعالى ، وإلا فليس بتائب ، وقال حذيفة بن اليمان بحضرة عبد الله بن مسعود : والله ليدخلن الجنة قوم كانوا منافقين ، فقال له عبد الله بن مسعود : وما علمك بذلك ؟ فغضب حذيفة وتنحى ، فلما تفرقوا مر به علقمة فدعاه وقال : أما إن صاحبكم يعلم الذي قلت ، ثم تلا { إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا } الآية ، وأخبر تعالى أنهم مع المؤمنين في رحمة الله وفي منازل الجنة ، ثم وعد المؤمنين " الأجر العظيم " وحذفت الياء من { يؤت } في المصحف تخفيفاً قال الزجّاج : لسكونها وسكون اللام في { الله } كما وحذفت من قوله { يوم يناد المناد } [ ق : 41 ] وكذلك { سندع الزبانية } [ العلق : 18 ] وأمثال هذا كثير , و " الأجر العظيم " : التخليد في الجنة ، ثم قال تعالى للمنافقين ، { ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم } الآية ، أي : أي منفعة له في ذلك أو حاجة ؟ والشكر على الحقيقة لا يكون إلا مقترناً بالإيمان ، لكنه ذكر الإيمان تأكيداً وتنبيهاً على جلالة موقعه ، ثم وعد الله تعالى بقوله : { وكان الله شاكراً عليماً } أي يتقبل أقل شيء من العمل وينميه ، فذلك شكر منه لعباده ، والشكور من البهائم الذي يأكل قليلاً ويظهر به بدنه ، والعرب تقول في مثل أشكر من بروقة ، لأنها يقال : تخضر وتنضر بظل السحاب دون مطر ، وفي قوله { عليماً } تحذير وندب إلى الإخلاص .