Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 75-87)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف الناس في : " لا " ، من قوله : { فلا أقسم بمواقع النجوم } فقال بعض النحويين : هي زائدة والمعنى فأقسم ، وزيادتها في بعض المواضع معروف كقوله تعالى : { لئلا يعلم أهل الكتاب } [ الحديد : 29 ] وغير ذلك ، وقال سعيد بن جبير وبعض النحويين : هي نافية ، كأنه قال : { فلا } صحة لما يقوله الكفار ، ثم ابتدأ { أقسم بمواقع النجوم } . وقال بعض المتأولين هي مؤكدة تعطي في القسم مبالغة ما ، وهي كاستفتاح كلام مشبه في القسم ألا في شائع الكلام القسم وغيره ، ومن هذا قول الشاعر : [ الطويل ] @ " فلا وأبي أعدائها لا أخونها " @@ والمعنى : فوأبي اعدائها ، ولهذا نظائر . وقرأ الحسن والثقفي : " فلأقسم " بغير ألف ، قال أبو الفتح ، التقدير : فلأنا أقسم . وقرأ الجمهور من القراء " بمواقع " على الجمع ، وقرأ عمر بن الخطاب وابن عباس وابن مسعود وأهل الكوفة وحمزة والكسائي : " بموقع " على الإفراد ، وهو مراد به الجمع ، ونظير هذا كثير ، ومنه قوله تعالى : { إن أنكر الأصوات لصوت الحمير } [ لقمان : 19 ] جمع من حيث لكل حمار صوت مختص وأفرد من حيث الأصوات كلها نوع . واختلف الناس في : { النجوم } هنا ، فقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد وغيرهم : هي نجوم القرآن التي نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك أنه روي أن القرآن نزل من عند الله في ليلة القدر إلى السماء الدنيا ، وقيل إلى البيت المعمور جملة واحدة ، ثم نزل بعد ذلك على محمد نجوماً مقطعة في مدة من عشرين سنة . قال القاضي أبو محمد : ويؤيد هذا القول عود الضمير على القرآن في قوله : { إنه لقرآن كريم } ، وذلك أن ذكره لم يتقدم إلا على هذا التأويل ، ومن لا يتأول بهذا التأويل يقول : إن الضمير يعود على القرآن وإن لم يتقدم ذكر لشهرة الأمر ووضوح المعنى كقوله تعالى : { حتى توارت بالحجاب } [ ص : 32 ] ، و { كل من عليها فان } [ الرحمن : 26 ] وغير ذلك . وقال جمهور كثير من المفسرين : { النجوم } هنا : الكواكب المعروفة . واختلف في موقعها ، فقال مجاهد وأبو عبيدة هي : مواقعها عند غروبها وطلوعها ، وقال قتادة : مواقعها مواضعها من السماء ، وقيل : مواقعها عند الانقضاض إثر العفاريت ، وقال الحسن : مواقعها عند الانكدار يوم القيامة . وقوله تعالى : { وإنه لقسم } تأكيد للأمر وتنبيه من المقسم به ، وليس هذا باعتراض بين الكلامين ، بل هذا معنى قصد التهمم به ، وإنما الاعتراض قوله : { لو تعلمون } وقد قال قوم : إن قوله : { وإنه لقسم } اعتراض ، وإن { لو تعلمون } اعتراض في اعتراض ، والتحرير هو الذي ذكرناه . وقوله : { إنه لقرآن } هو الذي وقع القسم عليه ، ووصفه بالكرم على معنى إثبات صفات المدح له ودفع صفات الحطيطة عنه . واختلف المتأولون في قوله تعالى : { في كتاب مكنون } بعد اتفاقهم على أن المكنون : المصون ، فقال ابن عباس ومجاهد : أراد الكتاب الذي في السماء . وقال عكرمة : أراد التوراة والإنجيل ، كأنه قال : إنه لكتاب كريم ، ذكر كرمه وشرفه { في كتاب مكنون } . قال القاضي أبو محمد : فمعنى الآية على هذا الاستشهاد بالكتب المنزلة ، وهذا كقوله عز وجل : { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله } [ التوبة : 36 ] . وقال بعض المتأولين : أراد مصاحف المسلمين ، وكانت يوم نزلت الآية لم تكن ، فهي على هذا إخبار بغيب ، وكذلك هو في كتاب مصون إلى يوم القيامة ، ويؤيد هذا لفظة المس ، فإنها تشير إلى المصاحف أو هي استعارة في مس الملائكة . واختلف الناس في معنى قوله : { لا يمسه إلا المطهرون } وفي حكمه فقال من قال : إن الكتاب المكنون هو الذي في السماء . { المطهرون } هنا الملائكة قال قتادة : فأما عندكم فيمسه المشرك المنجس والمنافق قال الطبري : { المطهرون } : الملائكة والأنبياء ومن لا ذنب له ، وليس في الآية على هذا القول حكم مس المصحف لسائر بني آدم ، ومن قال بأنها مصاحف المسلمين ، قال إن قوله : { لا يمسه } إخبار مضمنه النهي ، وضمة السين على هذا ضمة إعراب ، وقال بعض هذه الفرقة : بل الكلام نهي ، وضمة السين ضمة بناء ، قال جميعهم : فلا يمس المصحف من جميع بني آدم إلا الطاهر من الكفر والجنابة والحدث الأصغر . قال مالك : لا يحمله غير طاهر بعلاقته ولا على وسادة . وفي كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم : " ولا يمس المصحف إلا الطاهر " ، وقد رخص أبو حنيفة وقوم بأن يمسه الجنب والحائض على حائل غلاف ونحوه ، ورخص بعض العلماء في مسه بالحدث الأصغر ، وفي قراءته عن ظهر قلب ، منهم ابن عباس وعامر الشعبي ، ولا سيما للمعلم والصبيان ، وقد رخص بعضهم للجنب في قراءته ، وهذا الترخيص كله مبني على القول الذي ذكرناه من أن المطهرين هم الملائكة أو على مراعاة لفظ اللمس فقد قال سليمان : لا أمس المصحف ولكن أقرأ القرآن . وقرأ جمهور الناس : " المطَهّرون " بفتح الطاء والهاء المشددة . وقرأ نافع وابو عمرو بخلاف عنهما " المطْهَرون " بسكون الطاء وفتح الهاء خفيفة ، وهي قراءة عيسى الثقفي . وقرأ سلمان الفارسي : " المطَهِّرون " بفتح الطاء خفيفة وكسر الهاء وشدها على معنى الذين يطهرون أنفسهم ، ورويت عنه بشد الطاء والهاء . وقرأ الحسن وعبد الله بن عون وسلمان الفارسي بخلاف عنه : المطّهرون بشد الطاء بمعنى المتطهرون . قال القاضي أبو محمد : والقول بأن { لا يمسه } نهي قول فيه ضعف وذلك أنه إذا كان خبراً فهو في موضع الصفة ، وقوله بعد ذلك : { تنزيل } : صفة أيضاً ، فإذا جعلناه نهياً جاء معنى أجنبياً معترضاً بين الصفات ، وذلك لا يحسن في رصف الكلام فتدبره . وفي حرف ابن مسعود : " ما يمسه " وهذا يقوي ما رجحته من الخبر الذي معناه : حقه وقدره أن لا يمسه إلا طاهر . وقوله عز وجل : { أفبهذا الحديث أنتم مدهنون } مخاطبة للكفار ، و { الحديث } المشار إليه هو القرآن المتضمن البعث ، وإن الله تعالى خالق الكل وإن ابن آدم مصرف بقدره وقضائه وغير ذلك و : { مدهنون } معناه : يلاين بعضكم بعضاً ويتبعه في الكفر ، مأخوذ من الدهن للينه وإملاسه . وقال أبو قيس بن الأسلت : الحزم والقوة خير من الإدهان والفهة والهاع وقال ابن عباس : هو المهاودة فيما لا يحل . والمداراة هي المهاودة فيما يحل ، وقال ابن عباس : { مدهنون } مكذبون . وقوله عز وجل : { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } أجمع المفسرون على أن الآية توبيخ للقائلين في المطر الذي ينزله الله للعباد هذا بنوء كذا وكذا وهذا بـ " عثانين " الأسد ، وهذا بنوء الجوزاء وغير ذلك . والمعنى : وتجعلون شكر رزقكم ، كما تقول لرجل : جعلت يا فلان إحساني إليك أن تشتمني المعنى : جعلت شكر إحساني . وحكى الهيثم بن عدي أن من لغة أزد شنوءة : ما رزق فلان ؟ بمعنى ما شكره . وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقرؤها : " وتجعلون شكركم إنكم تكذبون " ، وكذلك قرأ ابن عباس ، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا أن ابن عباس ضم التاء وفتح الكاف ، وعلي رضي الله عنه : فتح التاء وسكن الكاف وخفف الذال ، ومن هذا المعنى قول الشاعر : [ السريع ] @ وكان شكر القوم عند المنى كي الصحيحات وفقء الأعين @@ وقد أخبر الله تعالى أنه أنزل من السماء ماء مباركاً فأنبت به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقاً للعباد فهذا معنى قوله : { إنكم تكذبون } ، أي بهذا الخبر . وقرأ عاصم في رواية المفضل عنه : " تَكْذبون " بفتح التاء وسكون الكاف وتخفيف الدال كقراءة علي بن أبي طالب . وكذبهم في مقالتهم بين ، لأنهم يقولون هذا بنوء كذا وذلك كذب منهم وتخرص ، وذكر الطبري " أن النبي عليه السلام سمع رجلاً يقول : مطرنا ببعض عثانين الأسد ، فقال له : " كذبت ، بل هو رزق الله " " . قال القاضي أبو محمد : والنهي عنه المكروه هو أن يعتقد أن للطالع من النجوم تأثيراً في المطر ، وأما مراعاة بعض الطوالع على مقتضى العادة ، فقد قال عمر للعباس وهما في الاستسقاء : يا عباس ، يا عم النبي عليه السلام كم بقي من نوء الثريا ، فقال العباس : العلماء يقولون إنها تتعرض في الأفق بعد سقوطها سبعاً . قال ابن المسيب : فما مضت سبع حتى مطروا . وقوله تعالى : { فلولا إذا بلغت الحلقوم } توقيف على موضع عجز يقتضي النظر فيه أن الله تعالى ملك كل شيء ، والضمير في : { بلغت } لنفس الإنسان والمعنى يقتضيها وإن لم يتقدم لها ذكر . و : { الحلقوم } مجرى الطعام ، وهذه الحال هي نزاع المرء للموت . وقوله : { وأنتم } إشارة إلى جميع البشر ، وهذا من الاقتضاب كقوله تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم } [ النساء : 29 ] . وقرأ عيسى بن عمر : " حينئِذ " بكسر النون . و : { تنظرون } معناه إلى المنازع في الموت . وقوله تعالى : { ونحن أقرب إليه منكم } يحتمل أن يريد ملائكته ورسله ، ويحتمل أن يريد بقدرتنا وغلبتنا ، فعلى الاحتمال الأول يجيء قوله : { ولكن لا تبصرون } من البصر بالعين ، وعلى التأويل الثاني يجيء من البصر بالقلب . وقال عامر بن عبد قيس : ما نظلت إلى شيء إلا رأيت الله أقرب إليه مني ، ثم عاد التوقيف والتقرير ثانية بلفظ التحضيض ، والمدين : المملوك هذا أصح ما يقال في معنى اللفظة هنا ، ومن عبر عنها بمجازي أو بمحاسب فذلك هنا قلق والمملوك يقلب كيف يشاء المالك ، ومن هذا الملك قول الأخطل : [ الطويل ] @ ربت وربا في حجرها ابن مدينة تراه على مسحاته يتركّلُ @@ أراد ابن أمة مملوكة وهو عبد يخدم الكرم ، وقد قيل في معنى هذا البيت : أراد أكاراً حضرياً لأن الأعراب في البادية لا يعرفون الفلاحة وعمل الكرم ، فنسبه إلى المدينة لما كان من أهلها ، فبمعنى الآية فلولا ترجعون النفس البالغة الحلقوم إن كنتم غير مملوكين مقهورين ودين الملك حكمه وسلطانه ، وقد نحا إلى هذا المعنى الفراء ، وذكره مستوعباً النقاش . وقوله : { ترجعونها } سدت مسد الأجوبة والبيانات التي يقتضيها التحضيضات ، و { إذا } من قوله : { فلولا إذا } و { إن } المتكررة وحمل بعض القول بعضاً إيجازاً واقتضاباً .