Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 46-48)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الضمير في قوله { وبينهما } عائد على الجنة والنار ، ويحتمل على الجمعين إذا يتضمنهما قوله تعالى : { ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار } [ الأعراف : 44 ] ، و " الحجاب " : هو السور الذي ذكره عز وجل في قوله : { فضرب بينهم بسور له باب } [ الحديد : 13 ] قاله ابن عباس ، وقاله مجاهد : { الأعراف } حجاب بين الجنة والنار ، وقال ابن عباس أيضاً هو تل بين الجنة والنار ، وذكر الزهراوي حديثاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أحداً جبل يحبنا ونحبه ، وإنه يقوم يوم القيامة يمثل بين الجنة والنار يحتبس عليه أقوام يعرفون كلاً بسيماهم هم إن شاء الله من أهل الجنة " ، وذكر حديثاً آخر عن صفوان بن سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أحداً على ركن من أركان الجنة " و { الأعراف } جمع عرف وهو المرتفع من الأرض . ومنه قول الشاعر : [ الرجز ] @ كل كناز لحمه نياف كالجمل الموفي على الأعراف @@ ومنه قول الشماخ : [ الطويل ] @ فظلت بأعراف تعالى كأنها رماح نحاها وجهة الريح راكز @@ ومنه عرف الفرس وعرف الديك لعلوهما ، وقال السدي سمي الأعراف أعرافاً لأن أصحابه يعرفون الناس . قال القاضي أبو محمد : وهذه عجمة وإنما المراد على أعراف ذلك الحجاب أعاليه ، وقوله : { رجال } قال أبو مجلز لاحق بن حميد : هم الملائكة ، ولفظة { رجال } مستعارة لهم لما كانوا في تماثيل رجال قال : وهم ذكور ليسوا بإناث . قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وقد سمى الله رجالاً في الجن ، وقال الجمهور : هم رجال من البشر ، ثم اختلفوا فقال مجاهد : هم قوم صالحون فقهاء علماء ، وحكى الزهراوي أنهم عدول القيامة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم وهم كل أمة ، وقاله الزجاج وقال قوم : هم أنبياء ، وقال المهدوي : هم الشهداء ، وقال شرحبيل بن سعد : هم المستشهدون في سبيل الله الذين خرجوا عصاة لآبائهم ، وذكر الطبري في ذلك حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه تعادل عقوقهم واستشهادهم وقال ابن مسعود والشعبي وحذيفة بن اليمان وابن عباس وابن جبير والضحاك : هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم . قال القاضي أبو محمد : وقع في مسند خيثمة بن سليمان في آخر الجزء الخامس عشر حديث عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " توضع الموازين يوم القيامة فتوزن الحسنات والسيئات , فمن رجحت حسناته على سيئاته مثقال صؤابة دخل الجنة , ومن رجحت سيئاته على حسناته مثقال صؤابة دخل النار ، قيل يا رسول الله فمن استوت حسناته وسيئاته ؟ قال أولئك أصحاب الأعراف لم يدخلوها وهم يطمعون " ، وقال حذيفة بن اليمان أيضاً : هم قوم أبطأت بهم صغارهم إلى آخر الناس . قال القاضي أبو محمد : واللازم من الآية أن على أعراف ذلك السور أو على مواضع مرتفعة عن الفريقين حيث شاء الله تعالى رجالاً من أهل الجنة ، يتأخر دخولهم ويقع لهم ما وصف من الاعتبار في الفريقين . و { يعرفون كلاً بسيماهم } أي بعلامتهم وهي بياض الوجوه وحسنها في أهل الجنة ، وسوادها وقبحها في أهل النار إلى غير ذلك في حيز هؤلاء وحيز هؤلاء ، والسيما العلامة وهو من وسم ، وفيه قلب ، يقال سيما مقصور وسيما ممدود وسيمياء بكسر الميم وزيادة ياء فوزنها فعلاً مع كونها من وسم ، وقيل هي من سوم إذا علم فوزنها على هذا فعلاً ، ونداؤهم أصحاب الجنة يحتمل أن يكون وأصحاب الجنة لم يدخلوها بعد فيكون أيضاً قوله { لم يدخلوها وهم يطمعون } محتملاً أن يعنى به أهل الجنة وهو تأويل أبي مجلز إذ جعل أصحاب الأعراف ملائكة ، ومحتملاً أن يعنى به أهل الأعراف ، ويحتمل أن يكون نداؤهم أهل الجنة بالسلام وهم قد دخلوها ، فلا يحتمل حينئذ قوله : { لم يدخلوها وهم يطمعون } إلا أهل الأعراف فقط ، وهو تأويل السدي وقتادة وابن مسعود والحسن ، وقال : والله ما جعل الله ذلك الطمع في قلوبهم إلا لخير أراده بهم . قال القاضي أبو محمد : وهذا هو الأظهر الأليق ولا نظر لأحد مع قول النبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله : { وهم يطمعون } هي جملة مقطوعة ، أخبر أنهم لم يدخلوها وهم طامعون بدخولها فكأن الجملة حال من الضمير في { نادوا } ، وقرأ أبو رقيش النحوي " لم يدخلوها وهم طامعون " وقرأ إياد بن لقيط " وهم ساخطون " ، وذكر بعض الناس قولاً وهو أن يقدر قوله { وهم يطمعون } في موضع الحال من ضمير الجماعة في { يدخلوها } ، ويكون المعنى لم يدخلوها في حال طمع بها بل كانوا في حال يأس وخوف لكنهم عمهم عفو الله عز وجل ، وقال ابن مسعود : إنما طمع أصحاب الأعراف لأن النور الذي كان في أيديهم لم يطفأ حين يطفأ كل ما بأيدي المنافقين . والضمير في قوله { أبصارهم } عائد على أصحاب الأعراف ، فهم يسلمون على أصحاب الجنة وإذا نظروا إلى النار وأهلها دعوا الله في التخليص منها ، قاله ابن عباس وجماعة من العلماء , وقال أبو مجلز الضمير لأهل الجنة وهم لم يدخلوها بعد ، وقوله : { صرفت } معطية ما هنالك من هول المطلع ، وقوله : { رجالاً } يريد من أهل النار ، ويحتمل أن يكون هذا النداء وأهل النار في النار ، فتكون معرفتهم بعلامات معرفة بأنهم أولئك الذين عرفوا الدنيا ، ويحتمل أن يكون هذا النداء وهم يحملون إلى النار ، فتكون السيما التي عرفوا بها أنهم أهل النار تسويد الوجوه وتشويه الخلق ، وقال أبو مجلز الملائكة تنادي رجالاً في النار ، وقال غيره بل الآدميون ينادون أهل النار ، وقيل : إن { ما } في قوله : { ما أغنى } استفهام بمعنى التقرير والتوبيخ ، وقيل { ما } نافية والأول أصوب ، و { جمعكم } لفظ يعم جموع الأجناد والخول وجمع المال لأن المراد بالرجال أنهم جبارون ملوك يقررون يوم القيامة على معنى الإهانة والخزي ، و { ما } الثانية : مصدرية ، وقرأت فرقة " تستكثرون " بالثاء مثلثة من الكثرة .