Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 76, Ayat: 1-6)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ هل } في كلام العرب قد يجيء بمعنى " قد " حكاه سيبويه ، لكنها لا تخلو من تقرير وبابها المشهور الاستفهام المحض والتقرير أحياناً . فقال ابن عباس وقتادة هي هنا بمعنى " قد " ، و { الإنسان } يراد به آدم عليه السلام ، و " الحين " : هي المدة التي بقي طيناً قبل أن ينفخ فيه الروح ؛ أي أنه شيء ولم يكن مذكوراً منوهاً به في العالم وفي حالة العدم المحض قبل { لم يكن شيئاً } ولا { مذكوراً } ، وقال أكثر المتأولين : { هل } تقرير ، و { الإنسان } اسم الجنس ، أي إذا تأمل كل إنسان نفسه علم بأنه قد مر { حين من الدهر } عظيم { لم يكن } هو فيه { شيئاً مذكوراً } ، أي لم يكن موجوداً ، وقد يسمى الموجود { شيئاً } فهو مذكور بهذا الوجه ، و " الحين " هنا : المدة من الزمن غير محدودة تقع للقليل والكثير ، وإنما تحتاج إلى تحديد الحين في الإيمان ، فمن حلف أن لا يكلم أخاه حيناً ، فذهب بعض الفقهاء إلى أن الحين سنة ، وقال بعضهم : ستة أشهر ، والقوي في هذا أن { الإنسان } اسم جنس وأن الآية جعلت عبرة لكل أحد من الناس ليعلم أن الصانع له قادر على إعادته . وقوله تعالى : { إنا خلقنا الإنسان } هو هنا اسم الجنس بلا خلاف ، لأن آدم لم يخلق { من نطفة } ، و { أمشاج } معناه أخلاط وأحدها مَشَج بفتح الميم والشين قاله ابن السكيت وغيره ، وقيل : مشج مثل عدل وأعدال ، وقيل : مشيج مثل شريف وأشراف ، واختلف في المقصود من الخلط ، فقيل هو { أمشاج } ماء الرجل بماء المرأة ، وأسند الطبري حديثاً وهو أيضاً في بعض المصنفات " إن عظام ابن آدم وعصبة من ماء الرجل ، ولحمه وشحمه من ماء المرأة " وقيل هو اختلاط أمر الجنين بالنقلة من النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى غير ذلك . فهو أمر مختلط ، وقيل هو اختلاط الدم والبلغم والصفراء والسوداء فيه ، و { نبتليه } معناه نختبره بالإيجاد والكون في الدنيا هو حال من الضمير في { خلقنا } كأنه قال : مختبرين له بذلك ، وقوله تعالى : { فجعلناه } عطف جملة تعم على جملة تعم ، وقال بعض النحويين إنما المعنى فنبتليه جعلناه { سميعاً بصيراً } ، ثم ترتب اللفظ موجزاً متداخلاً كأنه قال { نبتليه } فلذلك جعلناه ، والابتلاء على هذا أنما هو بالإسماع والإبصار لا بالإيجاب وليس { نبتليه } حالاً ، وقوله تعالى : { إنا هديناه السبيل } يحتمل أن يريد { السبيل } العامة للمؤمن والكافر فذلك يختلق الحواس وموهبة الفطرة ونصب الصنعة الدالة على الصانع ، فـ { هديناه } على هذا بمعنى أرشدناه كما يرشد الإنسان إلى الطريق ويوقف عليه ، ويحتمل أن يريد { السبيل } اسم الجنس ، أي هدى المؤمن إيمانه والكافر لكفره فـ { هديناه } على هذا معناه أريناه وليس الهدى في هذه الآية بمعنى خلق الهدى والإيمان ، وقوله تعالى : { إما شاكراً وإما كفوراً } حالان وقسمتهما { إما } قاله أبو عمرو الداني ، وقرأ أبو العاج " إما شاكراً وإما كفوراً " وأبو العاج كثير بن عبد الله السلمي شامي ولى البصرة لهشام بن عبد الملك ، و { أعتدنا } معناه أعددناه ، وقرأ نافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم " سلاسلاً " بالصرف وهذا على ما حكاه الأخفش من لغة من يصرف كل ما يصرف إلا أفعل وهي لغة الشعراء . ثم كثر حتى جرى في كلامهم ، وقد علل بعبة وهي أنه لما كان هذا الضرب من الجموع يجمع لشبه الآحاد فصرف ، وذلك من شبه الآحاد موجود في قولهم صواحب وصاحبات وفي قول الشاعر [ الفرزدق ] : [ الكامل ] @ نواكسي الأبصار @@ بالياء جمع نواكس ، وهذا الأجراء في " سلاسلاً وقواريراً " أثبت في مصحف ابن مسعود ومصحف أبيّ بن كعب ومصحف المدينة ومكة والكوفة والبصرة ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة " سلاسلَ " ، على ترك الصرف في الوقف والوصل ، وهي قراءة طلحة وعمرو بن عبيد ، وقرأ أبو عمرو وحمزة فيما روي عنهما : " سلاسل " في الوصل و " سلاسلاً " دون تنوين في الوقف ، ورواه هشام عن ابن عامر لأن العرب من يقول رأيت عمراً يقف بألف ، وأيضاً فالوقوف ، بالأف " سلاسلا " اتباع لخط المصحف ، و { الأبرار } جمع بار كشاهد وأشهاد ، وقال الحسن هم الذين لا يؤذون الذر ، ولا يرضون الشر ، و " الكأس " : ما فيه نبيذ ونحوه مما يشرب به ، قال ابن كيسان : ولا يقال الكأس إلا لما فيه نبيذ ونحوه ، ولا يقال ظعينة إلا إذا كان عليها امرأة ولا مائدة إلا وعليها طعام وإلا فهي خوان . والمزاج : ما يمزج به الخمر ونحوها ، وهي أيضاً مزاج له لأنهما تمازجاً مزاجاً ، قال بعض الناس : " المزاج " نفس الكافور ، وقال قتادة نعم قوم يمزج لهم بالكافور ويختم لهم بالمسك ، وقال الفراء : يقال إنه في الجنة عين تسمى { كافوراً } وقال بعض المتأولين إنما أراد { كافوراً } في النكهة والعرف كما تقول إذا مزجت طعاماً هذا الطعام مسك . وقوله تعالى : { عيناً } هو بدل من قوله { كافوراً } ، وقيل هو مفعول بقوله { يشربون } ، أي { يشربون } ماء هذه العين من كأس عطرة كالكافور ، وقيل نصب { عيناً } على المدح أو بإضمار أعني ، وقوله { يشرب بها } بمنزلة يشربها فالباء زائدة ، وقال الهذلي : شربن بماء البحر . أي شربن ماء البحر ، وقرأ ابن أبي عبلة : " يشربها عباد الله " ، و { عباد الله } هنا خصوص في المؤمنين الناعمين لأن جميع الخلق عباده ، و { يفجرونها } معناه يبثقونها بعود قصب ونحوه حيث شاؤوا ، فهي تجري عند كل أحد منهم ، هكذا ورد الأثر ، وقال الثعلبي ، وقيل هي عين في دار النبي صلى الله عليه وسلم تفجر إلى دور الأنبياء والمؤمنين ، وهذا قول الحسن .