Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 13-16)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمؤمنون داخلون فيه بالمعنى والضمير في { بأنهم } عائد على الذين كفروا ، و { شاقوا } معناه خالفوا ونابذوا وقطعوا ، وهو مأخوذ من الشق وهو القطع والفصل بين شيئين ، وهذه مفاعلة فكأن الله لما شرع شرعاً وأمر بأوامر وكذبوا هم وصدوا تباعد ما بينهم وانفصل وانشق ، مأخوذ من هذا لأنه مع شقه الآخر تباعدا وانفصلا وعبر المفسرون عن قوله { شاقوا } أي صاروا في شق غير شقه . قال القاضي أبو محمد : وهذا وإن كان معناه صحيحاً فتحرير الاشتقاق إنما هو ما ذكرناه ، والمثال الأول إنما هو الشَّق بفتح الشين ، وأجمعوا على الإظهار في { يشاقق } إتباعاً لخط المصحف ، وقوله { فإن الله شديد العقاب } جواب الشرط تضمن وعيداً وتهديداً ، وقوله تعالى : { ذلكم فذوقوه } المخاطبة للكفار ، أي ذلك الضرب والقتل وما وأوقع الله بهم يوم بدر ، فكأنه قال الأمر ذلك فذوقوه وكذا فسره سيبويه ، وقال بعضهم : يحتمل أن يكون { ذلكم } في موضع نصب كقوله زيداً فاضربه ، وقرأ جمهور الناس " وأن " بفتح الألف ، فإما على تقدير وحتم أن . فيقدر على ابتداء محذوف يكون " أن " خبره ، وإما على تقدير واعلموا أن ، فهي على هذا في موضع نصب ، وروى سليمان عن الحسن بن أبي الحسن و " إن " على القطع والاستئناف ، وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً } الآية ، { زحفاً } يراد به متقابلي الصفوف والأشخاص ، أي يزحف بعضهم إلى بعض ، وأصل الزحف الاندفاع على الألية ثم سمي كل ماش إلى آخر في الحرب رويداً زاحفاً ، إذ في مشيته من التماهل والتباطؤ ما في مشي الزاحف ، ومن الزحف الذي هو الاندفاع قولهم لنار العرفج وما جرى مجراه في سرعة الاتقاد نار الزحفتين ومن التباطؤ في المشي قول الشاعر : [ البسيط ] @ كأنهنَّ بأيدي القومِ في كَبدٍ طير تكشف عن جون مزاحيف @@ ومنه قول الفرزدق : [ البسيط ] @ على عمائمنا تُلقى وأرجلنا على مزاحيف تزجى مخها رير @@ ومنه قول الآخر [ الأعشى ] : [ الطويل ] @ لمن الظعائن سَيْرُهُنَّ تَزَحُّفُ @@ ومن التزحف بمعنى التدافع قول الهذلي : [ الوافر ] @ كأن مزاحف الحيّات فيه قبيل الصبح آثار السياط @@ وأمر الله عز وجل في هذه الآية أن لا يولي المؤمنون أمام الكفار ، وهذا الأمر مقيد بالشريطة المنصوصة في مثلي المؤمنين ، فإذا لقيت فئة من المؤمنين فئة هي ضعف المؤمنة من المشركين فالفرض أن لا يفروا أمامهم ، فالفرار هناك كبيرة موبقة بظاهر القرآن والحديث وإجماع الأكثر من الأمة ، والذي يراعى العدد حسب ما في كتاب اله عز وجل : وهذا قول جمهور الأمة ، وقالت فرقة منهم ابن الماجشون في الواضحة : يراعى أيضاً الضعف والقوة والعدة فيجوز على قولهم أن تفر مائة فارس إذا علموا أن عند المشركين من العدة والنجدة والبسالة ضعف ما عندهم ، وأمام أقل أو أكثر بحسب ذلك وأما على قول الجمهور فلا يحل فرار مائة إلا أمام ما زاد على مائتين والعبارة بالدبر في هذه الآية متمكنة الفصاحة ، لأنها بشعة على الفار ذامة له ، وقرأ الجمهور " دبُره " بضم الباء ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن " دبْره " بسكون الباء ، واختلف المتأولون في المشار إليه بقوله { يومئذ } فقالت فرقة الإشارة إلى يوم بدر وما وليه ، وفي ذلك اليوم وقع الوعيد بالغضب على من فر ، ونسخ بعد ذلك حكم الآية بآية الضعف ، وبقي الفرار من الزحف ليس بكبيرة وقد فر الناس يوم أحد فعفا الله عنهم ، وقال فيهم يوم حنين : { ثم وليتم مدبرين } [ التوبة : 25 ] ولم يقع على ذلك تعنيف . قال القاضي أبو محمد : وقال الجمهور من الأمة : الإشارة بـ { يومئذ } إلى يوم اللقاء الذي يتضمنه قوله { إذا لقيتم } وحكم الآية باق إلى يوم القيامة بشرط الضعف الذي بينه الله تعالى في آية أخرى ، وليس في الآية نسخ ، وأما يوم أحد فإنما فر الناس من أكثر من ضعفهم ومع ذلك عنفوا لكون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم وفرارهم عنه ، وأما يوم حنين فكذلك من فر إنما انكشف أمام الكثرة ، ويحتمل أن عفو الله عمن فر يوم أحد كان عفواً عن كبيرة ، و { متحرفاً لقتال } يراد به الذي يرى أن فعله ذلك أنكى للعدو وأعود عليه بالشر ونصبه على الحال ، وكذلك نصب متحيز ، وأما الاستثناء فهو من المولين الذين يتضمنهم { من } ، وقال قوم : الاستثناء هو من أنواع التولي . قال القاضي أبو محمد : ولو كان ذلك لوجب أن يكون إلا تحرفاً وتحيزاً ، والفئة ها هنا الجماعة من الناس الحاضرة للحرب , هذا على قول الجمهور في أن الفرار من الزحف كبيرة ، وأما على القول الآخر فتكون الفئة المدينة والإمام وجماعة المسلمين حيث كانوا ، روي هذا القول عن عمر رضي الله عنه وأنه قال : أنا فئتكم أيها المسلمون . قال القاضي أبو محمد : وهذا منه على جهة الحيطة على المؤمنين إذ كانوا في ذلك الزمن يثبتون لأضعافهم مراراً ، وفي مسند ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجماعة فرت في سرية من سراياه : " أنا فئة المسلمين " حين قدموا عليه ، وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اتقوا السبع الموبقات " وعدد فيها الفرار من الزحف ، و { باء } بمعنى نهض متحملاً للثقل المذكور في الكلام غضباً كان أو نحوه ، والغضب من صفات الله عز وجل إذا أخذ بمعنى الإرادة فهي صفات ذات ، وإذا أخذ بمعنى إظهار أفعال الغاضب على العبد فهي صفة فعل ، وهذا المعنى أشبه بهذه الآية ، والمأوى الموضع الذي يأوي إليه الإنسان .