Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 17-18)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه مخاطبة للمؤمنين أعلم الله بها أن القتلة من المؤمنين ليس هم مستبدين بالقتل ، لأن القتل بالإقدار عليه ، والخلق والاختراع في جميع حالات القاتل إنما هي لله تعالى ليس للقاتل فيها شيء ، وإنما يشاركه بتكسبه وقصده ، وهذه الألفاظ ترد على من يقول بأن أفعال العباد خلق لهم ، وسبب هذه الآية فيما روي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صدروا عن بدر ذكر كل واحد منهم مما فعل ، فقال قتلت كذا وفعلت كذا فجاء من ذلك تفاخر ونحو ذلك فنزلت الآية ، وقوله { وما رميت إذا رميت ولكن الله رمى } يراد به ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله يومئذ ، وذلك أنه أخذ قبضات من حصى وتراب ، فرمى بها في وجوه القوم وتلقاهم ثلاث مرات فانهزموا عند آخر رمية ، ويروى أنه قال يوم بدر : شاهت الوجوه ، وهذه الفعلة أيضاً كانت يوم حنين بلا خلاف ، وروي أن التراب الذي رمى به لم يبق كافر إلا دخل في عينيه منه شيء ، وروي أنه رمى بثلاثة أحجار فكانت الهزيمة مع الحجر الثالث . قال القاضي أبو محمد : فيحتمل قوله تعالى : { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } ما قلناه في قوله { فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم } وذلك منصوص في الطبري وغيره ، وهو خارج في كلام العرب على معنى وما رميت الرمي الكافي إذ رميت ، ونحوه قول العباس بن مرداس : [ المتقارب ] @ فلم أعط شيئاً ولم أمنعِ @@ أي لن أعط شيئاً مرضياً ويحتمل أن يريد ، وما رميت الرعب في قلوبهم إذ رميت حصياتك ، ولكن الله رماه وهذا أيضاً منصوص في المهدوي وغيره ، ويحتمل أن يريد وما أغنيت إذ رميت حصياتك ولكن الله رمى أي أعانك وأظفرك ، والعرب تقول في الدعاء : رمى الله لك ، أي أعانك وصنع لك . وحكى هذا أبو عبيدة في كتاب المجاز وقرأت فرقة " ولكنّ الله رمى " بتشديد النون ، وفرقة " ولكنْ اللهُ " بتخفيفها ورفع الهاء من " الله " { وليبلي } أي ليصيبهم ببلاء حسن ، فظاهر وصفه بالحسن يقتضي أنه أراد الغنيمة والظفر والعزة ، وقيل أراد الشهادة لمن استشهد يوم بدر وهم أربعة عشر رجلاً ، منهم عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ومهجع مولى عمر ، ومعاذ وعمرو ابنا عفراء ، وغيرهم ، { إن الله سميع } لاستغاثتكم ، { عليم } بوجه الحكمة في جميع أفعاله لا إله إلا هو ، وحكى الطبري : أن المراد بقوله { وما رميت إذ رميت } رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة على أبيّ بن خلف يوم أحد . قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف لأن الآية نزلت عقب بدر ، وعلى هذا القول تكون أجنبية مما قبلها وما بعدها وذلك بعيد ، وحكي أيضاً أن المراد السهم الذي رمى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حصن خيبر فصار في الهويّ حتى أصاب ابن أبي الحقيق فقتله وهو على فراشه ، وهذا فاسد ، وخيبر فتحها أبعد من أحد بكثير ، والصحيح في قتل ابن أبي الحقيق غير هذا ، فهذان القولان ضعيفان لما ذكرناه ، وقوله { ذلكم } إشارة إلى ما تقدم من قتل الله ورميه إياهم ، وموضع { ذلكم } من الإعراب رفع ، قال سيبويه : التقدير الأمر ذلكم ، وقال بعض النحويين : يجوز أن يكون في موضع نصب بتقدير فعل ذلكم { وأن } معطوف على { ذلكم } ويحتمل أن يكون خبر ابتداء مقدر تقديره وحتم وسابق وثابت ونحو هذا ، وقرأت فرقة " وإن " بكسر الهمزة على القطع والاستئناف ، و { موهن } معناه مضعف مبطل ، يقال وهن الشيء مثل وعد يعد ، ويقال وهن مثل ولي يلي ، وقرىء { فما وهنوا لما أصابهم } [ آل عمران : 146 ] بكسر الهاء ، وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر وأبو بكر عن عاصم " موهن كيد " من أوهن ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو " موهن كيد " من وهن ، وقرأ حفص عن عاصم " موهن كيدِ " بكسر الدال والإضافة ، وذكر الزجّاج أن فيها أربعة أوجه فذكر هذه القراءات الثلاث ، وزاد " موهّن كيد " بتشديد الهاء والإضافة إلا أنه لم ينص أنها قراءة .