Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 80, Ayat: 1-17)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
" العبوس " : تقطب الوجه واربداده عند كراهية أمر ، وفي مخاطبته بلفظ ذكر الغائب مبالغة في العتب لأن في ذلك بعض الإعراض ، وقال كثير من العلماء وابن زيد وعائشة وغيرها من الصحابة : لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً من الوحي ، لكتم هذه الآيات ، وآيات قصة زيد وزينب بنت جحش ، " والتولي " : هنا الإعراض ، و { أن } : مفعول من أجله ، وقرأ الحسن { أن جاءه } بمدة تقرير وتوقيف والوقف مع هذه القراءة على { تولى } وهي قراءة عيسى . وذكر الله تعالى ابن مكتوم بصفة العمى ليظهر المعنى الذي شأن البشر احتقاره ، وبين أمره بذكر ضده من غنى ذلك الكافر ، وفي ذلك دليل على أن ذكر هذه العاهات متى كانت المنفعة أو لأن شهرتها تعرف السامع صاحبها دون لبس جائز ، ومنه قول المحدثين سلمان الأعمش وعبد الرحمن الأعرج وسالم الأفطس ونحو هذا . ومتى ذكرت هذه الأشياء على جهة التنقيص فتلك الغيبة ، " وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة تذكر امرأة ، فقالت : إنها القصيرة ، فقال لها : لقد قلت كلمة لو مزجت بالبحر لمزجته " ثم خاطب تعالى نبيه فقال : { وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى } أي وما يطلعك على أمره وعقبى حاله ، ثم ابتدأ القول : { لعله يزكى } أي تنمو بركته وتطهره لله وينفعه إيمانه ، وأصل { يزكى } : يتزكى ، فأدغم التاء في الزاي وكذلك { يذكر } ، وقرأ الأعرج . " يذْكُر " بسكون الذال وضم الكاف ، ورويت عن عاصم ، وقرأ جمهور السبعة : " فتنفعُه " بضم العين على العطف ، وقرأ عاصم وحده والأعرج : " فتنفعَه " بالنصب في جواب التمني ، لأن قوله { أو يذكر } في حكم قوله : { لعله يزكى } ، ثم أكد تعالى عتب نبيه عليه السلام بقوله : { أما من استغنى } أي بماله ، و : { تصدى } معناه : تتعرض بنفسك ، وقرأ ابن كثير ونافع : " تصّدى " بشد الصاد على إدغام التاء ، وقرأ الباقون والأعرج والحسن وأبو رجاء وقتادة وعيسى والأعمش : " تصَدى " ، بتخفيف الصاد على حذف التاء وقرأ أبو جعفر بن القعقاع : " تُصَدى " ، بضم التاء وتخفيف الصاد على بناء الفعل للمجهول ، أي تصديك حرصك على هؤلاء الكفار أن يسلموا ، تقول : تصدى الرجل وصديته ، كما تقول : تكسب وكسبته ، ثم قال تعالى محتقراً لشأن الكفار : { وما عليك ألا يزكى } وما يضرك ألا يفلح ، فهذا حض على الإعراض عن أمرهم ، وترك الأكتراث بهم ، ثم قال مبالغاً في العتب : { وأما من جاءك يسعى } أي يمشي ، وقيل المعنى : { يسعى } في شؤونه وأمر دينه وتقربه منك ، { وهو يخشى } الله تعالى ، { فأنت عنه تلهى } أي تشتغل ، تقول لهيت عن الشيء ألهى إذا اشتغلت وليس من اللهو الذي هو من ذوات الواو ، وإما أن المعنى يتداخل ، وقرأ الجمهور من القراء : " تَلهى " بفتح التاء على حذف التاء الواحدة ، وقرأ ابن كثير فيما روي عنه " تلهى " بالإدغام ، وقرأ طلحة بن مصرف : " تتلهى " بتاءين ، وروي عنه " تَلْهى " بفتح التاء وسكون اللام وتخفيف الهاء المفتوحة ، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع : " تُلْهى " بضم التاء وسكون اللام أي يلهيك حرصك على أولئك الكفار ، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " وما استأثر الله به فَالْهَ عنه " وقوله تعالى في هاتين : { وأما من } فالسبب ما ذكر من كفار قريش وعبد الله بن أم مكتوم ، ثم هي بعد تتناول من شركهم في هذه الأوصاف ، فحَمَلَهُ الشرع والعلم مخاطبون في تقريب الضعيف من أهل الخير وتقديمه على الشريف العاري من الخير ، بمثل ما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السورة ، ثم قال : { كلا } يا محمد أي ليس الأمر في حقه كما فعلت إن هذه السورة والقراءة التي كنت فيها مع ذلك الكافر { تذكرة } لجميع العالم لا يؤثر فيها أحد دون أحد ، وقيل المعنى أن هذه المعتبة تذكرة لك يا محمد ففي هذا التأويل إجلال لمحمد صلى الله عليه وسلم وتأنيس له ، وقوله تعالى : { فمن شاء ذكره } يتضمن وعداً ووعيداً على نحو قوله تعالى : { فمن شاء اتخذ إلى ربه ومآباً } [ النبأ : 39 ] وقوله تعالى : { في صحف } يتعلق بقوله : { إنها تذكرة } ، وهذا يؤيد أن التذكرة يراد بها جميع القرآن وقال بعض المتأولين : الصحف هنا اللوح المحفوظ ، وقيل : صحف الأنبياء المنزلة ، وقيل : مصاحف المسلمين ، واختلف الناس في " السفرة " ، فقال ابن عباس : هم الملائكة لأنهم كتبة يقال : سفرت أي كتبت ، ومنه السفر ، وقال ابن عباس أيضاً : الملائكة سفرة لأنهم يسفرون بين الله تعالى وبين أنبيائه ، وقال قتادة : هم القراء وواحد السفرة سافر ، وقال وهب بن منبه : هم الصحابة لأنهم بعضهم يسفر إلى بعض في الخبر والتعلم ، والقول الأول أرجح ، ومن اللفظة قول الشاعر : [ الوافر ] @ وما أدع السفارة بين قومي وما أسعى بغش إن مشيت @@ و " الصحف " على هذا صحف عند الملائكة أو اللوح ، وعلى القول الآخر هي المصاحف ، وقوله تعالى : { قتل الإنسان ما أكفره } دعاء على اسم الجنس وهو عموم يراد به الخصوص ، والمعنى : قتل الإنسان الكافر ، ومعنى { قتل } أي هو أهل أن يدعى عليه بهذا ، وقال مجاهد : { قتل } بمعنى لعن ، وهذا تحكم ، وقوله تعالى : { ما أكفره } يحتمل معنى التعجب ، ويحتمل معنى الاستفهام توقيفاً أي أيّ شيء { أكفره } أي جعله كافراً ، وقيل " إن هذه الآية نزلت في عتبة بن أبي لهب ، وذلك أنه غاضب أباه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ثم إن أباه استصلحه وأعطاه مالاً وجهزه إلى الشام ، فبعث عتبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : إني كافر برب النجم إذا هوى ، فيروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم ابعث عليه كلبك حتى يأكله " ويروى أنه قال : " ما يخاف أن يرسل الله عليك كلبه " ، ثم إن عتبة خرج في سفرة فجاء الأسد فأكله بين الرفقة " .