Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 80, Ayat: 18-32)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { من أي شيء خلقه } استفهام على معنى التقرير على تفاهة الشيء الذي خلق الإنسان منه ، وهي عبارة تصلح للتحقير والتعظيم والقرينة تبين الغرض ، وهذا نظير قوله : { لأي يوم أجلت ليوم الفصل } [ المرسلات : 13 ] واللفظ المشار إليه ماء الرجل وماء المرأة ، وقرأ جمهور الناس : " فقدّره " بشد الدال ، وقرأ بعض القراء : " فقدَره " بتخفيفها ، والمعنى جعله بقدر واحد معلوم من الأعضاء والخلق والأجل وغير ذلك من أنحائه حسب إرادته تعالى في إنسان إنسان ، واختلف المتأولون في معنى قوله : { ثم السبيل يسره } فقال ابن عباس وقتادة وأبو صالح والسدي : هي سبيل الخروج من بطن المرأة ورحمها ، وقال الحسن ما معناه : إن { السبيل } هي سبيل النظر القويم المؤدي إلى الإيمان ، وتيسره له هو هبة العقل ، وقال مجاهد : أراد { السبيل } عامة اسم الجنس في هدى وضلال أي يسر قوماً لهذا كقوله تعالى : { إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً } [ الإنسان : 3 ] ، وقوله تعالى : { وهديناه النجدين } [ البلد : 10 ] وقوله تعالى : { فأقبره } معناه أمر أن يجعل له قبر ، وفي ذلك تكريم لئلا يطرح كسائر الحيوان ، والقابر هو الذي يتناول جعل الميت في قبره ، والمقبر الذي يأمر بقبر الميت ، ويقرره ، و { أنشره } معناه : أحياه ، يقال : نشر الميت وأنشره الله ، وقوله : { إذا شاء } يريد إذا بلغ الوقت الذي شاءه وهو يوم القيامة ، وقرأ بعض القراء : { شاء أنشره } بتحقيق الهمزتين ، وقرأ جمهور الناس : { شاء أنشره } بمدة وتسهيل الهمزة الأولى ، وقرأ شعيب بن أبي حمزة : " شاء نشره " ، وقرأ الأعمش : " شاء انشره " بهمزة واحدة ، وقوله تعالى : { كلا لما يقض ما أمره } رد لما عسى أن للكفار من الاعتراضات في هذه الأقوال المسرودة ونفي مؤكد لطاعة الإنسان لربه وإثبات أنه ترك حق الله تعالى ، ولم يقض ما أمره ، قال مجاهد : لا يقضي أحد أبداً ما افترض عليه ، ثم أمر تعالى الإنسان بالعبرة والنظر إلى طعامه والدليل فيه ، وذهب أبيّ بن كعب وابن عباس والحسن ومجاهد وغيره إلى أن المراد { إلى طعامه } إذا صار رجيعاً ليتأمل حيث تصير عاقبة الدنيا ، وعلى أي شيء يتفانى أهلها وتستدير رحاها ، وهذا نظير ما روي عن ابن عمر : أن الأنسان إذا أحدث فإن ملكاً يأخذ بناصيته عند فراغه فيرد بصره إلى نحوه موقفاً له ومعجباً فينفع ذلك من له عقل ، وذهب الجمهور إلى أن معنى الآية : فلينظر إلى مطعوماته وكيف يسرها الله تعالى له بهذه الوسائط المذكورة من صب الماء وشق الأرض ، ويروى أن رجلاً أضافه عابد فقدم إليه رغيفاً قفاراً فكأن الرجل استخشنه فقال له : كله فإن الله تعالى لم ينعم به وكمله حتى سخر فيه ثلاثمائة وستين عاملاً الماء والريح والشمس ثلاثة من ذلك ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي : " أنّا صببنا " بفتح الألف على البدل وهي قراءة الأعرج وابن وثاب والأعمش ، ورد على هذا الإعراب قوم بأن الثاني ليس الأول وليس كما ردوا لأن المعنى : { فلينظر الإنسان } إلى إنعامنا في طعامه فترتب البدل وصح ، " وأنا " في موضع خفض ، وقرأ الجمهور : " إنا " بكسر الألف على استئناف تفسير الطعام ، وقرأ بعض القراء : " أنى " بمعنى كيف ذكرها أبو حاتم ، و " صب الماء " : هو المطر ، و " شق الأرض " : هو بالنبات ، و " الحب " : جمع حَبة بفتح الحاء وهو كل ما يتخذه الناس ويربونه كالقمح والشعير ونحوه ، والحِبة بكسر الحاء كل ما ينبت من البزور ولا يحفل به ولا هو بمتخذ ، و " القضب " قال بعض اللغويين : هي الفصافص ، وهذا عندي ضعيف ، لأن الفصافص هي للبهائم فهي دخل في الأبّ ، وقال أبو عبيدة : " القضب " الرطبة ، قال ثعلب : لأنه يقضب كل يوم . والذي أقوله إن " القضب " هنا هو كل ما يقضب ليأكله ابن آدم ، وغضاً من النبات كالبقول والهِلْيُون ونحوه ، فإنه من المطعوم جزء عظيم ولا ذكر له في الآية إلا في هذه اللفظة ، والغُلب الغلاظ الناعمة ، و " الحديقة " الشجر الذي قد أحدق بجدار أو نحوه ، و " الأبّ " : المرعى قاله ابن عباس ومجاهد وابن زيد وقتادة ، وقال الضحاك : " الأبّ " : التبن ، وفي اللفظة غرابة وقد توقف في تفسيرها أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، و { متاعاً } نصب على المصدر ، والمعنى تتمتعون به أنتم وأنعامكم ، فابن آدم في السبعة المذكورة ، والأنعام في الأبّ .