Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 83, Ayat: 7-17)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه الآية وما بعدها يظهر أنها من نمط المكي ، وهذا أحد الأقوال التي ذكرناها قبل ، و { كلاّ } يجوز أن يكون ردّاً لأقوال قريش ، ويحتمل أن يكون استفتاحاً بمنزلة " ألا " ، وهذا قول أبي حاتم واختياره ، و { الفجار } الكفار ، وكتابهم يراد فيه الذي فيه تحصيل أمرهم وأفعالهم ، ويحتمل عندي أن يكون المعنى وعدادهم وكتاب كونهم هو في سجين ، أي هنالك كتبوا في الأزل ، وقرأ أبو عمرو والأعرج وعيسى : { الفجار } بالإمالة و { الأبرار } [ المطففين : 18 ] بالفتح قاله أبو حاتم ، واختلف الناس في : { سجّين } ما هو ؟ فقال الجمهور : هو فعيل من السجن كسكير وشريب أي في موضع ساجن ، فجاء بناء مبالغة ، قال مجاهد : وذلك في صخرة تحت الأرض السابعة ، وقال كعب حاكياً عن التوراة وأبيّ بن كعب : هو في شجرة سوداء هنالك ، وقيل عن النبي صلى الله عليه وسلم : في بر : هنالك وقيل تحت خد إبليس ، وقال عطاء الخرساني : هي الأرض السفلى ، وقاله البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال عكرمة : { سجين } ، عبارة عن الخسران والهوان ، كما نقول : بلغ فلان الحضيض إذا صار في غاية الخمول ، وقال قوم من اللغويين : { سجين } نونه بدل من لام هو بدل من " السجيل " وقوله تعالى : { وما أدراك ما سجين } تعظيم لأمر هذا السجين وتعجب منه ، ويحتمل أن يكون تقرير استفهام ، أي هذا مما لم يكن يعرفه قبل الوحي . وقوله تعالى : { كتاب مرقوم } من قال بالقول الأول في { سجين } فـ { كتاب } مرتفع عنده على خبر { إن } ، والظرف الذي هو : { لفي سجين } ملغى ، ومن قال في { سجين } بالقول الثاني فـ { كتاب } مرتفع على خبر ابتداء مضمر ، والتقدير هو كتاب مرقوم ، ويكون هذا الكلام مفسر في السجين ما هو ؟ و { مرقوم } معناه : مكتوب ، رقم لهم بشر ، ثم أثبته تعالى { للمكذبين } بيوم الحساب والدين بالويل ، وقوله : { يومئذ } ، إشارة إلى ما يتضمنه المعنى في قوله { كتاب مرقوم } وذلك أنه يتضمن أنه يرتفع ليوم عرض وجزاء ، وبهذا يتم الوعيد ويتجه معناه و " المعتدي " : الذي يتجاوز حدود الأشياء ، و " الأثيم " : بناء مبالغة في آثم ، وقرأ الجمهور : " تتلى " ، بالتاء ، وقرأ أبو حيوة : " يتلى " ، بالياء من تحت ، و " الأساطير " : جمع أسطورة وهي الحكايات التي سطرت قديماً ، قيل هو جمع : أسطار ، وأسطار : جمع سطر ، ويروى أن هذه الآية نزلت بمكة في النضر بن الحارث بن كلدة وهو الذي كان يقول : { أساطير الأولين } ، وكان هو قد كتب بالحيرة أحاديث رستم واسبنذباذ ، وكان يحدث بها أهل مكة ، ويقول أنا أحسن حديثاً من محمد ، فإنما يحدثكم بـ { أساطير الاولين } ، وقوله تعالى : { كلا } زجر ورد لقولهم : { أساطير الأولين } ، ثم أوجب أن ما كسبوا من الكفر والطغيان ، والعتو ، قد { ران على قلوبهم } ، أي غطى عليها وغلب فهم مع ذلك لا يبصرون رشداً ولا يخلص إلى قلوبهم خير ، ويقال : رانت الخمر على عقل شاربها وران الغش على قلب المريض ، وكذلك الموت ، ومنه قول الشاعر : [ الخفيف ] @ ثم لما رآه رانت به الخمر وإن لا يرينه باتقاء @@ والبيت لأبي زيد ، وقال الحسن وقتادة : الرين الذنب على الذنب حتى يموت القلب ، ويروى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الرجل إذا أذنب صارت نقطة سوداء على قلبه ثم كذلك حتى يتغطى " فذلك الرين الذي قال الله تعالى : { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر : { بل ران } بإدغام في الراء ، وقرأ نافع : { بل ران } غير مدغمة ، وقرأ عاصم : { بل } ويقف ثم يبتدئ { ران } ، وقرأ حمزة والكسائي : بالإدغام وبالإمالة في { ران } ، وقرأ نافع أيضاً : بالإدغام والإمالة ، قال أبو حاتم : القراءة بالفتح والإدغام ، وعلق اللوم بهم فيما كسبوه وإن كان ذلك بخلق منه واختراع لأن الثواب والعقاب متعلق بكسب العبد ، و { كلا } في قوله تعالى : { كلا إنهم عن ربهم } يصلح فيها الوجهان اللذان تقدم ذكرهما ، والضمير في قوله : { إنهم عن ربهم } هو للكفار ، قال بالرؤية وهو قول أهل السنة ، قال إن هؤلاء لا يرون ربهم فهم محجوبون عنه ، واحتج بهذه الآية مالك بن أنس عن مسألة الرؤية من جهة دليل الخطاب وإلا فلو حجب الكل لما أغنى هذا التخصص ، وقال الشافعي : لما حجب قوم بالسخط دل على أن قوماً يرونه بالرضى ، ومن قال بأن لا رؤية وهو قول المعتزلة ، قال في هذه الآية : إنهم محجوبون عن رحمة ربهم وغفرانه ، وصلي الجحيم مباشرة حر النار دون حائل ، وقوله تعالى : { ثم يقال هذا الذي } ، على معنى التوبيخ لهم والتقريع ، وقوله تعالى : { هذا الذي كنتم به تكذبون } ، مفعول لم يسم فاعله لأنه قول بني له الفعل الذي يقال ، وقوله : { هذا } إشارة إلى تعذيبهم وكونهم في الجحيم .