Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 83, Ayat: 18-29)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر تعالى أمر { كتاب الفجار } [ المطففين : 7 ] ، عقب بذكر كتاب ضدهم ليبين الفرق ، و { الأبرار } جمع بر ، وقرأ ابن عامر : " الأبرار " بكسر الراء ، وقرأ نافع وابن كثير بفتحها ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي : بإمالتها ، و { عليون } قيل هو جمع على وزن فعل بناء مبالغة يريد بذلك الملائكة ، فلذلك أعرب بالواو والنون ، وقيل يريد المواضع العلية لأنه علو فوق علو ، فلما كان هذا الاسم على هذا الوزن لا واحد له أشبه عشرين فأعرب بإعراب الجموع إذا أشبهها ، وهذا أيضاً كقنسرين فإنك تقول طابت قنسرين ودخلت قنسرين ، واختلف الناس في الموضع المعروف ، بـ { عليين } ما هو ؟ فقال قتادة : قائمة العرش اليمنى ، وقال ابن عباس : السماء السابعة تحت العرش ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقال الضحاك : هو عند سدرة المنتهى ، وقال ابن عباس : { عليون } : الجنة ، وقال مكي : هو في السماء الرابعة ، وقال الفراء عن بعض العلماء : في السماء الدنيا ، والمعنى أن كتابهم الذي فيه أعمالهم هنالك تهمماً بها وترفيعاً لها ، وأعمال الفجار في سجين في أسفل سافلين ، لأنه روي عن أبيّ بن كعب وابن عباس : أن أعمالهم يصعد بها إلى السماء فتأباها ، ثم ترد إلى الأرض فتأباها أرض بعد أرض حتى تستقر في سجن تحت الأرض السابعة ، و { كتاب مرقوم } في هذه الآية خبر { إن } والظرف ملغى ، و { المقربون } في هذه الآية : الملائكة المقربون عند الله تعالى أهل كل سماء ، قاله ابن عباس وغيره ، و { الأرائك } : جمع أريكة وهي السرر في الحجال ، و { ينظرون } معناه إلى ما عندهم من النعيم ، ويحتمل أن يريد ينظر بعضهم إلى بعض ، وقيل عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ينظرون إلى أعدائهم في النار كيف يعذبون " ، وقرأ جمهور الناس " تَعرِف " على مخاطبة محمد صلى الله عليه وسلم بفتح التاء وكسر الراء " نضرةَ " نصباً ، وقرأ أبو جعفر وابن أبي إسحاق وطلحة ويعقوب : " تُعرَف " بضم التاء وفتح الراء ، " نضرةُ " رفعاً ، وقرأ " يعرف " بالياء ، لأن تأنيث النضرة ليس بحقيقي والنضرة النعمة والرونق و " الرحيق " : الخمر الصافية ، ومنه قول حسان : [ الكامل ] @ يسقون من ورد البريص عليهم بردى يصفق بالرحيق السلسل @@ و { مختوم } ، يحتمل أن يختم على كؤوسه التي يشرب بها تهمماً وتنظيفاً ، والأظهر أنه مختوم شرابه بالرائحة المسكية حسبما فسر قوله تعالى : { ختامه مسك } ، واختلف المتأولون في قوله : { ختامه مسك } فقال علقمة وابن مسعود معناه : خلطه ومزاجه ، فقال ابن عباس والحسن وابن جبير معناه : خاتمته أن يجد الرائحة عند خاتمته . الشرب رائحة المسك ، وقال أبو علي : المراد لذاذة المقطع وذكاء الرائحة مع طيب الطعم ، وكذلك قوله : { كان مزاجها كافوراً } [ الإنسان : 5 ] ، وقوله تعالى : { زنجبيلاً } [ الإنسان : 17 ] أي يحذي اللسان ، وقد قال ابن مقبل : [ البسيط ] @ مما يفتق في الحانوت ناطقها بالفلفل الجوز والرمان مختوم @@ قال مجاهد معناه : طينه الذي يختم به مسك بدل الطين الذي في الدنيا ، وهذا إنما يكون في الكؤوس لأن خمر الآخرة ليست في دنان إنما هي في أنهار ، وقرأ الجمهور : " ختامه " ، وقرأ الكسائي وعلي بن أبي طالب والضحاك والنخعي " خاتمه " ، وهذه بينة المعنى : أنه يراد بها الطبع على الرحيق ، وروي عنهم أيضاً كسر التاء ، ثم حرض تعالى على الجنة بقوله : { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } ، والتنافس في الشيء المغالاة فيه وأن يتبعه كل واحد نفسه ، فكأن نفسيهما يتباريان فيه ، وقيل هو من قولك شيء نفسي ، فكان هذا يعظمه ثم يعظمه الآخر ويستبقان إليه ، و " المزاج " : الخلط ، والضمير عائد على الرحيق ، واختلف الناس في { تسنيم } فقال ابن عباس وابن مسعود : { تسنيم } أشرف شراب في الجنة وهو اسم مذكر لماء عين في الجنة وهي عين يشربها المقربون صرفاً . ويمزج رحيق الأبرار بها ، قاله ابن مسعود وابن عباس والحسن وأبو صالح وغيرهم ، وقال مجاهد ما معناه : إن تسنيماً مصدر من سنمت إذا عليت ومنه السنام ، فكأنها عين قد عليت على أهل الجنة فهي تنحدر ، وذهب قوم إلى أن { الأبرار } و " المقربين " في هذه الآية لمعنى واحد ، يقال : لكل من نعم في الجنة ، وذهب الجمهور من المتأولين إلى أن منزلة الأبرار دون المقربين ، وأن { الأبرار } : هم أصحاب اليمين وأن المقربين هم السابقون ، و { عيناً } منصوب إما على المدح ، وإما أن يعمل فيه { تسنيم } على رأي من رآه مصدراً ، أو ينتصب على الحال من { تسنيم } أو { يسقون } ، قاله الأخفش وفيه بعد ، وقوله تعالى : { يشرب بها } معناه : يشربها كقول الشاعر [ أبو ذؤيب الهذلي ] : [ الطويل ] @ شربن بماء البحر ثم تصعدت متى لجج خضر لهن نئيج @@ ثم ذكر تعالى أن الأمر الذي { أجرموا } بالكفر أي كسبوه كانوا في دنياهم { يضحكون } من المؤمنين ويستخفون بهم ويتخذونهم هزؤاً ، وروي أن هذه الآية نزلت في صناديد قريش وضعفة المؤمنين ، وروي أنها نزلت بسبب أن علي بن أبي طالب وجمعاً معه مروا بجمع من كفار مكة ، فضحكوا منهم واستخفوا بهم عبثاً ونقصان عقل ، فنزلت الآية في ذلك .