Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 84, Ayat: 1-15)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه أوصاف يوم القيامة ، و " انشقاق السماء " : هو تفطيرها لهول يوم القيامة ، كما قال : { وانشقت السماء فهي يومئذ واهية } [ الحاقة : 16 ] ، وقال الفراء والزجاج وغيره : هو تشققها بالغمام ، وقال قوم : تشققها تفتيحها أبواباً لنزول الملائكة وصعودهم في هول يوم القيامة ، وقرأ أبو عمرو : " انشقت " يقف على التاء كأنه يشمها شيئاً من الجر ، وكذلك في أخواتها ، قال أبو حاتم : سمعت إعراباً فصيحاً في بلاد قيس بكسر هذه التاءات ، وهي لغة ، { وأذنت } معناه : استمتعت ، وسمعت ، أي أمره ونهيه ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن " ، ومنه قول الشاعر [ قعنب بن أم صاحب ] : [ البسيط ] @ صم إذا سمعوا خيراً ذكرت به وإن ذُكِرْتُ بشرٍّ عندهم أذنوا @@ وقوله تعالى : { وحقت } ، قال ابن عباس وابن جبير معناه : وحق لها أن تسمع وتطيع ، ويحتمل أن يريد : وحق لها أن تنشق لشدة الهول وخوف الله تعالى ، و " مد الأرض " : هو إزالة جبالها حتى لا يبقى فيها عوج ولا أمت فذلك مدها ، وفي الحديث : " إن الله تعالى يمد الأرض يوم القيامة مد الأديم العكاظي " { وألقت ما فيها } : يريد الموتى قاله الجمهور ، وقال الزجاج : ومن الكنوز ، وهذا ضعيف لأن ذلك يكون وقت خروج الدجال ، وإنما تلقي يوم القيامة الموتى ، { وتخلت } معناه : خلت عما كان فيها أي لم تتمسك منهم بشيء ، وقوله تعالى : { يا أيها الإنسان } مخاطبة للجنس ، و " الكادح " : العامل بشدة وسرعة واجتهاد مؤثر ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من سأل وله ما يغنيه حاءت مسألته خدوشاً أو كدوحاً في وجهه يوم القيامة " والمعنى أنك عامل خيراً أو شراً وأنت لا محالة في ذلك سائر إلى ربك ، لأن الزمن يطير بعمر الإنسان ، فإنما هو مدة عمره في سير حثيث إلى ربه ، وهذه آية وعظ وتذكير ، أي فكر على حذر من هذه الحال واعمل عملاً صالحاً تجده ، وقرأ طلحة : بإدغام كاف كادح ومن هذه اللفظة قول الشاعر : [ الوافر ] @ وما الإنسان إلا ذو اغترار طوال الدهر يكدح في سفال @@ وقال قتادة : من استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل ، وقوله تعالى : { فملاقيه } معناه : فملاقي عذابه أو تنعيمه ، واختلف النحاة في العامل : في { إذا } ، فقال بعض النحاة العامل : { انشقت } وأبى ذلك كثير من أئمتهم ، لأن { إذا } : مضافة إلى { انشقت } ومن يجز ذلك تضعف عنده الإضافة ، ويقوى معنى الجزاء ، وقال آخرون منهم : العامل { فملاقيه } ، وقال بعض حذاقهم : العامل فعل مضمر ، وكذلك اختلفوا في جواب { إذا } ، فقال كثير من النحاة : هو محذوف لعلم السامع به ، وقال أبو العباس المبرد والأخفش : هو في قوله : { يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه } ، إذا انشقت السماء ، انشقت فأنت ملاقي الله ، وقيل التقدير فيا أيها الإنسان ، وجواب { إذا } في الفاء المقدرة ، وقال الفراء عن بعض النحاة : هو { أذنت } على زيادة تقدير الواو ، وأما الضمير { فملاقيه } ، فقال جمهور المتأولين هو عائد على الرب ، فالفاء على هذا عاطفة ملاق على كادح ، وقال بعض الناس : هو عائد على الكدح ، فالفاء على هذا عاطفة جملة على التي قبلها ، والتقدير فأنت ملاقيه ، والمعنى ملاقي جزائه خيراً كان أو شراً ، ثم قسم تعالى الناس إلى : المؤمن والكافر ، فالمؤمنون يعطون كتبهم بأيمانهم ومن ينفذ عليه الوعيد من عصاتهم فإنه يعطى كتابه عند خروجه من النار ، وقد جوز قوم أن يعطاه أولاً قبل دخوله النار ، وهذه الآية ترد على هذا القول ، و " الحساب اليسير " : هو العرض : وأما من نوقش الحساب ، فإنه يهلك ويعذب ، وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " " من حوسب عذب " فقالت عائشة : ألم يقل الله { فسوف يحاسب حساباً يسيراً } الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما ذلك العرض ، وأما من نوقش الحساب فيهلك " وفي الحديث من طريق ابن عمر : " إن الله تعالى يدني العبد حتى يضع عليه كنفه ، فيقول : ألم أفعل بك كذا وكذا يعدد عليه نعمه ثم يقول له : فلم فعلت كذا وكذا لمعاصيه ، فيقف العبد حزيناً فيقول الله تعالى : سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم " وقالت عائشة : سمعت رسول النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " " اللهم حاسبني حساباً يسيراً " قلت يا رسول الله ، وما هو ؟ فقال : " أن يتجاوز عن السيئات " وروي عن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من حاسب نفسه في الدنيا ، هون الله تعالى حسابه يوم القيامة " ، وقوله تعالى : { إلى أهله } أي الذين أعد الله له في الجنة ، إما من نساء الدنيا ، وإما من الحور العين وإما من الجميع ، والكافر يؤتى كتابه من ورائه لأن يديه مغلولتان ، وروي أن يده تدخل من صدره حتى تخرج من وراء ظهره ، فيأخذ كتابه بها ، ويقال إن هاتين الآيتين نزلتا في أبي سلمة بن عبد الأسد ، وكان أبو سلمة من أفضل المؤمنين ، وأخوه من عتاة الكافرين ، { ويدعو ثبوراً } معناه : يصيح منتحباً ، واثبوراه ، واخزياه ، ونحو هذا مما معناه : هذا وقتك ، وزمانك أي احضرني ، والثبور ، اسم جامع للمكاره كالويل ، وقرأ ابن كثير ونافع ، وابن عامر والكسائي والحسن وعمر بن عبد العزيز والجحدري وأبو السناء والأعرج : " ويُصلّى " بشد اللام وضم الياء على المبالغة ، وقرأ نافع أيضاً وعاصم في رواية أبان : بضم الياء وتخفيف اللام , وهي قراءة أبي الأشهب وعيسى وهارون عن أبي عمرو , وقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة وأبو جعفر وقتادة وعيسى وطلحة والأعمش : بفتح الياء على بناء الفعل للفاعل ، وفي مصحف ابن مسعود : " وسيصلى " ، وقوله تعالى : { في أهله } يريد في الدنيا أي تملكه ذلك لا يدري إلا السرور بأهله دون معرفة الله والمؤمن إن سر بأهله لا حرج عليه ، وقوله تعالى : { إنه ظن أن لن يحور } ، معناه : لن يرجع إلى الله تعالى مبعوثاً محشوراً ، قال ابن عباس : لم أعلم ما معنى { ويحور } ، حتى سمعت أعرابية تقول لبنية لها : حوري ، أي ارجعي ، والظن هنا على بابه ، و { أن } وما بعدها تسد مسد مفعولي ظن وهي { أن } المخففة من الثقيلة ، والحور : الرجوع على الأدراج ، ومنه : اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور . ثم رد تعالى على ظن هذا الكافر بقوله : { بلى } ، أي يحور ويرجع ، ثم أعلمهم أن الله تعالى لم يزل { بصيراً } بهم لا تخفى عليه أفعال أحد منهم ، وفي هذا وعيد .