Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 89, Ayat: 15-22)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ذكر الله تعالى في هذه الآية : ما كانت قريش تقوله تستدل به على إكرام الله تعالى وإهانته لعبده ، وذلك أنهم كانوا يرون أن من عنده الغنى والثروة والأولاد فهو المكرم ، وبضده المهان ، ومن حيث كان هذا المقطع غالباً على كثيرين من الكفار ، جاء التوبيخ في هذه الآية لاسم الجنس ، إذ يقع بعض المؤمنين في شيء من هذا المنزع ، ومن ذلك حديث الأعراب الذين كانوا يقدمون المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن نال خيراً قال هذا دين حسن ، ومن ناله شر قال هذا دين سوء ، و { ابتلاه } معناه : اختبره ، و { نعمه } معناه : جعله ذا نعمة ، وقرأ ابن كثير " أكرمني " بالياء في وصل ووقف وحذفها عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي في الوجهين : وقرأ نافع بالياء في الوصل وحذفها في الوقف ، وكذلك " أهانني " ، وخير في الوجهين أبو عمرو ، وقرأ جمهور الناس : " فقدَر " بتخفيف الدال ، بمعنى ضيق ، وقرأ الحسن بخلاف وأبو جعفر وعيسى " قدّر " بمعنى : جعله على قدر ، وهما بمعنى واحد في معنى التضييق لأنه ضعف قدر مبالغة لا تعدية ، ويقتضي ذلك قول الإنسان { أهانني } ، لأن " قدر " معدى إنما معناه أعطاه ما يكفيه ولا إهانة مع ذلك ، ثم قال تعالى : { كلا } ردّاً على قولهم ومعتقدهم ، أي ليس إكرام الله تعالى وإهانته ، في ذلك ، وإنما ذلك ابتلاء فحق من ابتلي بالغنى أن يشكر ويطيع ، ومن ابتلي بالفقر أن يشكر ويصبر ، وأما إكرام الله تعالى فهو بالتقوى ، وإهانته فبالمعصية ، ثم أخبرهم بأعمالهم من أنهم لا يكرمون اليتيم وهو من بني آدم الذي فقد أباه وكان غير بالغ . ومن البهائم ما فقد أمه ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أحَبُّ البيوت إلى الله ، بيت فيه يتيم مكرم " ، وقرأ ابن كثير وابن عامر " يحضون " بمعنى : يحض بعضهم بعضاً أو تحضون أنفسكم ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي " تحاضون " بفتح التاء بعنى تتحاضون ، أي يحض قوم قوماً ، وقرأ أبو عمرو و " يحضون " بياء من تحت مفتوحة وبغير ألف ، وقرأ عبد الله بن المبارك : " تُحاضون " بضم التاء على وزن تقاتلون ، أي أنفسكم أي بعضكم بعضاً ورواها الشيرزي عن الكسائي ، وقد يجيء فاعلت بمعنى فعلت وهذا منه ، وإلى هذا ذهب أبو علي وأنشد : @ تحاسنت به الوشى قرات الرياح وخوزها @@ أي حسنت وأنشد أيضاً : [ الرجز ] @ إذا تخازرت وما بي من خزر @@ ويحتمل أن تكون مفاعلة ، ويتحه ذلك على زحف ما فتأمله ، وقرأ الأعمش " تتحاضون " بتاءين ، و { طعام } في هذه الآية بمعنى إطعام ، وقال قوم أراد نفس طعامه الذي يأكل ، ففي الكلام حذف تقديره على بدل { طعام المسكين } ، وقد تقدم القول في ( سورة براءة ) في المسكين والفقير بمعنى يغني عن إعادته ، وعدد عليهم جدهم في أكل التراث لأنهم لا يورثون النساء ولا صغار الأولاد إنما كان يأخذ المال من يقاتل ويحمي الحوزة ، و " اللّم " : الجمع واللف . قال الحسن : هو أن يأخذ في الميراث حظه وحظ غيره ، وقال أبو عبيدة : لممت ما على الخوان إذا أكلت جميع ما عليه بأسره ، ومنه لم الشعث ، ومنه قول النابغة : [ الطويل ] @ ولست بمستبق أخاً لا تلمُّه وأي شعث أي الرجال المهذب @@ والجم : الكثير الشديد ، ومنه قول الشاعر [ أبو خراش الهذلي ] : [ الراجز ] @ إن تغفر اللهم تغفر جمّاً وأي عبد لك لا ألمّا @@ ومنه " الجم " من الناس ، ثم قال تعالى : { كلا } رداً على أفعالهم هذه وتوطئة للوعيد ، أي سيرون أفعالهم ليس على قوم { وإذا دكت الأرض } ، ودك الأرض تسويتها بذهاب جبالها ، والناقة الدكاء التي لا سمن لها ، وقوله تعالى : { وجاء ربك والملك } معناه : وجاء قدره وسلطانه وقضاؤه ، قال منذر بن سعيد : معناه : ظهوره للخلق هنالك ليس مجيء نقلة وكذلك مجيء الصاخة ومجيء الطامة ، و { الملك } اسم جنس : يريد جميع الملائكة ، وروي أن ملائكة كل سماء تكون { صفاً } حول الأرض في يوم القيامة ، وذكر الطبري في ذلك حديثاً طويلاً اختصرته ، وبهذا المعنى يتفسر قوله تعالى : { يوم التناد } [ غافر : 32 ] على قراءة من شد الدال ، وقوله تعالى في سورة الرحمن : { إن استطعتم أن تنفذوا } [ الرحمن : 33 ] الآية ، وقرأ ابن كثير وعاصم ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي في هذه الآية " تكرمون " والجحدري " يكرمون " في جميعها على ذكر الغائب إذ قد تقدم اسم جنس الإنسان .