Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 89, Ayat: 23-30)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

روي في قوله تعالى : { وجيء يومئذ بجهنم } أنها تساق إلى الحشر بسبعين ألف زمام ، يمسك كل زمام سبعون ألف ملك فيخرج منها عنق فينتقي الجبابرة من الكفار في حديث طويل مختلف الألفاظ ، و " جهنم " هنا ، هي النار بجملتها ، وروي أنه لما نزلت { وجيء يومئذ بجهنم } تغير لون النبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله تعالى : { يتذكر الإنسان } معناه : يتذكر عصيانه وطغيانه ، وينظر ما فاته من العمل الصالح ، ثم قال تعالى : { وأنى له الذكرى } ثم ذكر عنه أنه يقول : { يا ليتني قدمت لحياتي } ، واختلف في معنى قوله : { لحياتي } فقال جمهور المتأولين معناه : { لحياتي } الباقية يريد في الآخرة ، وقال قوم من المتأولين : المعنى { لحياتي } في قبري عند بعثي الذي كنت أكذب به وأعتقد أني لن أعود حياً ، وقال آخرون : { لحياتي } هنا مجاز ، أي { ليتني قدمت } عملاً صالحاً لأنعم به اليوم وأحيا حياة طيبة ، فهذا كما يقول الإنسان أحييني في هذا الأمر ، وقال بعض المتأولين لوقت أو لمدة حياتي الماضية في الدنيا ، وهذا كما تقول جئت لطلوع الشمس ولتاريخ كذا ونحوه ، وقرأ جمهور القراء وعلي بن أبي طالب وابن عباس وأبو عبد الرحمن " يعذِّب " و " يوثِق " بكسر الذال الثاء ، وعلى هذه القراءة ، فالضمير عائد في عذابه ووثاقه لله تعالى ، والمصدر مضاف إلى الفاعل ولذلك معنيان : أحدهما أن الله تعالى لا يكل عذاب الكفار يومئذ إلى أحد ، والآخر أن عذابه من الشدة في حيز لم يعذب قط أحد بمثله ، ويحتمل أن يكون الضمير للكافر والمصدر مضاف إلى المفعول ، وقرأ الكسائي وابن سيرين وابن أبي إسحاق وسوار القاضي " يعذَّب " و " يوثَق " بفتح الذال والثاء ، ورويت كثيراً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فالضميران على هذا للكافر الذي هو بمنزلة جنسه كله والمصدر مضاف إلى المفعول ووضع عذاب موضع تعذيب كما قال : [ القرطبي ] : [ الوافر ] @ وبعض عطائك المائة الرتاعا @@ ويحتمل أن يكون الضميران في هذه القراءة لله تعالى ، كأنه قال : لا يعذب أحد قط في الدنيا عذاب الله للكفار ، فالمصدر مضاف إلى الفاعل ، وفي هذا التأويل تحامل ، وقرأ الخليل بن أحمد " وِثاقه " بكسر الواو ، ولما فرغ ذكر هؤلاء المعذبين عقب تعالى بذكر نفوس المؤمنين وحالهم فقال : { يا أيتها النفس المطمئنة } الآية ، و { المطمئنة } معناه : الموقنة غاية اليقين ، ألا ترى أن إبراهيم عليه السلام قال : { ولكن ليطمئن قلبي } [ البقرة : 260 ] ، فهي درجة زائدة على الإيمان ، وهي أن لا يبقى على النفس في يقينها مطلب يحركها إلى تحصيله ، واختلف الناس في هذا النداء متى يقع فقال ابن زيد وغيره : هو عند خروج نفس المؤمن من جسده في الدنيا ، وروي أن أبا بكر الصديق سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : " إن الملك سيقولها لك يا أبا بكر عند موتك " ومعنى { ارجعي إلى ربك } على هذا التأويل ، { ارجعي } بالموت ، وقال : وقوله { في عبادي } أي في أعداد عبادي الصالحين ، وهذه قراءة الجمهور بجمع " عبادي " ، وقال قوم : النداء عند قيام الأجساد من القبور ، فقوله : { ارجعي إلى ربك } معناه بالبعث من موتك ارجعي إلى الله . وقيل الرب هنا الإنسان ذو النفس ، أي { ادخلي } في الأجساد ، و { النفس } اسم جنس وقال بعض العلماء : هذا النداء هو الآن للمؤمنين لما ذكر حال الكفار قال يا مؤمنون دوموا وجدوا حتى ترجعوا راضين مرضين ، فـ { النفس } على هذا اسم الجنس ، وقرأ ابن عباس وعكرمة وأبو شيخ والضحاك واليماني ومجاهد وأبو جعفر : " فادخلي في عبدي " ، و { النفس } على هذا ليست باسم الجنس ، وإنما خاطب مفردة ، قال أبو شيخ : الروح يدخل في البدن ، وفي مصحف أبي بن كعب : " يا أيتها النفس الآمنة المطمئنة إيتي ربك راضية مرضية فارجعي في عبدي " ، وقرأ سالم بن عبد الله " فادخلي في عبادي ولجي جنتي " ، وتحتمل قراءة " عبدي " أن يكون العبد اسم جنس جعل عباده كالشيء الواحد دلالة على الالتحام كما قال عليه السلام وهم يد على من سواهم وقال آخرون : إنما هو في الموقف عندما ينطلق بأهل النار إلى النار ، فنداء النفوس على هذا إنما هو نداء أرباب النفوس ، ومعنى { ارجعي إلى ربك } على هذا إلى رحمة ربك ، والعباد هنا الصالحون المنعمون .