Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 57-59)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
" الملجأ " من لجأ يلجأ إذا أوى واعتصم ، وقرأ جمهور الناس " أو مَغارات " بفتح الميم ، وقرأ سعيد بن عبد الرحمن بن عوف " أو مُغارات " بضم الميم وهي الغيران في أعراض الجبال ففتح الميم من غار الشيء إذا دخل كما تقول غارت العين إذا دخلت في الحجاج ، وضم الميم من أغار الشيء غيره إذا أدخله ، فهذا وجه من اشتقاق اللفظة ، وقيل إن العرب تقول : غار الرجل وأغار بمعنى واحد أي دخل ، قال الزجّاج : إذا دخل الغور فيحتمل أن تكون اللفظة أيضاً من هذا . قال القاضي أبو محمد : ويصح في قراءة ضم الميم أن تكون من قولهم حبل مُغار أي مفتول ثم يستعار ذلك في الأمر المحكم المبروم ، فيجيء التأويل على هذا : لو يجدون عصرة أو أموراً مرتبطة مشددة تعصمهم منكم أو مدخلاً لولوا إليه ، وقرأ جمهور الناس " أو مُدخلاً " أصله مفتعل وهو بناء تأكيد ومبالغة ومعناه السرب والنفق في الأرض ، وبما ذكرناه في الملجأ والمغارات ، " والمُدخل " فسر ابن عباس رضي الله عنه ، وقال الزجّاج " المُدخل " معناه قوماً يدخلونهم في جملتهم وقرأ مسلمة بن محارب والحسن وابن أبي إسحاق وابن محيصن وابن كثير بخلاف عنه " أو مَدخلاً " فهذا من دخل وقرأ قتادة وعيسى بن عمر والأعمش " أو مدّخّلاً " بتشديدهما وقرأ أبي بن كعب " مندخلاً " قال أبو الفتح هذا كقول الشاعر [ الكميت ] : [ البسيط ] @ ولا يدي في حميت السمن تندخل @@ قال القاضي أبو محمد : وقال أبو حاتم : قراءة أبي بن كعب " متدخلاً " بتاء مفتوحة ، وروي عن الأعمش وعيسى " مُدخلاً " بضم الميم فهو من أدخل ، وقرأ الناس { لولوا } وقرأ جد أبي عبيدة بن قرمل " لوالوا " من الموالاة ، وأنكرها سعيد بن مسلم وقال : أظن لوالوا بمعنى للجؤوا ، وقرأ جمهور الناس ، " يجمحون " معناه يسرعون مصممين غير منثنين ، ومنه قول مهلهل : [ البسيط ] @ لقد جمحت جماحاً في دمائهم حتى رأيت ذوي أحسابهم خمدوا @@ وقرأ أنس بن مالك " يجمزون " ومعناه يهربون ، ومنه قولهم في حديث الرجم : فلما إذ لقته الحجارة جمزة ، وقوله تعالى : { ومنهم من يلمزك } الآية ، الضمير في قوله { ومنهم } عائد على المنافقين ، وأسند الطبري إلى أبي سعيد الخدري أنه قال : جاء ابن ذي الخويصرة التميمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم قسماً فقال : اعدل يا محمد الحديث المشهور بطوله ، وفيه قال أبو سعيد : فنزلت في ذلك { ومنهم من يلمزك في الصدقات } ، وروى داود بن أبي عاصم أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصدقة فقسمها ووراءه رجل من الأنصار فقال : ما هذا بالعدل فنزلت الآية . قال القاضي أبو محمد : وهذه نزعة منافق ، وكذلك روي من غير ما طريق أن الآية نزلت بسبب كلام المنافقين إذ لم يعطوا بحسب شطط آمالهم ، و { يلمزك } معناه يعيبك ويأخذ منك في الغيبة ومنه قول الشاعر : [ البسيط ] @ إذا لقيتك تبدي لي مكاشرة وأن أغيب فأنت الهامز اللمزة @@ ومنه قول رؤبة : [ الرجز ] @ في ظل عصري باطلي ولمزي @@ والهمز أيضاً في نحو ذلك ومنه قوله تعالى { ويل لكل همزة لمزة } [ الهمزة : 1 ] وقيل لبعض العرب : أتهمز الفأرة فقال : إنها تهمزها الهرة قال أبو علي : فجعل الأكل همزاً ، وهذه استعارة كما استعار حسان بن ثابت الغرث في قوله : [ الطويل ] @ وتصبح غرثى من لحوم الغوافل @@ تركيباً على استعارة الأكل في الغيبة . قال القاضي أبو محمد : ولم يجعل الأعرابي الهمز الأكل ، وإنما أراد ضربها إياها بالناب والظفر ، وقرأ جمهور الناس " يلمِزك " بكسر الميم ، وقرأ ابن كثير فيما روى عنه حماد بن سلمة " يلمُزك " بضم الميم ، وهي قراءة أهل مكة وقراءة الحسن وأبي رجاء وغيرهم ، وقرأ الأعمش " يُلمّزك " ، وروى أيضاً حماد بن سلمة عن ابن كثير " يلامزك " ، وهي مفاعلة من واحد لأنه فعل لم يقع من النبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله { ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله } الآية ، وصف للحال التي ينبغي أن يكون عليها المستقيمون ، يقول تعالى : ولو أن هؤلاء المنافقين رضوا قسمة الله الرزق لهم وما أعطاهم على يدي رسوله ورجوا أنفسهم فضل الله ورسوله وأقروا بالرغبة إلى الله لكان خيراً لهم وأفضل مما هم فيه ، وحذف الجواب من الآية لدلالة ظاهر الكلام عليه ، وذلك من فصيح الكلام وإيجازه .