Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 90, Ayat: 11-20)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
في هذه الآية على عرف كلام العرب ، استعارة لهذا العمل الشاق على النفس من حيث هو بذل مال تشبيه بعقبة الجبل ، وهي ما صعب منه وكان صعوداً ، و { اقتحم } معناه : دخلها وجاوزها بسرعة وضغط وشدة ، وأما المفسرون فرأوا أن { العقبة } يراد بها جبل في جهنم ، لا ينجي منه إلا هذه الأعمال ونحوها ، قاله ابن عباس وقتادة ، وقال الحسن : { العقبة } جهنم ، قال هو وقتادة فاقتحموها بطاعة الله ، وفي الحديث : " إن اقتحامها للمؤمن كما بين صلاة العصر إلى العشاء " واختلف الناس في قوله { فلا } فقال جمهور المتأولين : هو تحضيض بمعنى " فألا " ، وقال آخرون وهو دعاء بمعنى أنه ممن يستحق أن يدعى عليه بأن لا يفعل خيراً ، وقيل هي نفي ، أي " فما اقتحم " ، وقال أبو عبيدة والزجاج وهذا نحو قوله تعالى : { فلا صدق ولا صلى } [ القيامة : 31 ] فهو نفي محض كأنه قال : وهبنا له الجوارح ودللناه على السبيل فما فعل خيراً ، ثم عظم الله تعالى أمر العقبة في النفوس بقوله : { وما أدراك ما العقبة } ؟ ثم فسر اقتحام العقبة بقوله { فك رقبة } وذلك أن التقدير وما أدراك ما اقتحام العقبة ؟ هذا على قراءة من قرأ " فكُّ رقبة " بالرفع على المصدر ، وأما من قرأ " فكّ " على الفعل الماضي ونصب الرقبة ، فليس يحتاج أن يقدر { وما أدراك } ما اقتحام ، بل يكون التعظيم للعقبة نفسها ، ويجيء " فكّ " بدلاً من { اقتحم } ومبيناً . وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة " فك رقبة أو إطعام " وقرأ أبو عمرو " فك رقبةً " بالنصب " أو أطعم " ، وقرأ بعض التابعين " فكِّ رقبة " بالخفض ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو أيضاً والكسائي " فكَّّ رقبة " بالنصب " أو إطعام " . وترتيب هذه القراءات ووجوهها بينة ، وفك الرقبة معناه : بالعتق من ربقة الأسر أو الرق ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من أعتق نسمة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار . " " وقال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم : دلني على عمل أنجو به ، فقال : " لئن قصرت القول لقد عرضت المسألة فك رقبة ، وأعتق النسمة " ، فقال الأعرابي : أليس هما واحداً ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا عتق النسمة أن تنفرد بعتقها ، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها " " . قال القاضي أبو محمد : وكذلك فك الأسير إن شاء الله ، وفداؤه أن ينفرد الفادي به ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي : " وأبق على ذي الرحم الظالم ، فإن لم تطق هذا كله ، فكف لسانك إلا من خير " و " المسغبة " : المجاعة . والساغب : الجائع . وقرأ جمهور الناس " ذي مسغبة " على نعت { يوم } ، وقرأ علي بن أبي طالب والحسن وأبو رجاء " ذا مسغبة " على أن يعمل فيها " أطعم " أو " إطعام " على القراءتين المذكورتين ، وفي هذا حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه ، لأن التقدير إنساناً ذا مسغبة ووصفت الصفة لما قامت مقام موصوفها المحذوف ، وأشبهت الأسماء ، و " المسغبة " : الجوع العام ، وقد يقال في الخاص : سغب الرجل إذا جاع . وقوله تعالى : { ذا مقربة } معناه : ذا مقربة لتجتمع الصدقة والصلة ، وهذا نحو ما " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزينب امرأة عبد الله بن مسعود : " تصدقي على زوجك فهي صدقة لك وصلة " ، و { أو } في قوله { أو مسكيناً ذا متربة } فيها معنى الإباحة ومعنى التخيير ، لأن الكلام يتضمن معنى الحض والأمر فيها أيضاً معنى التفضيل المجرد ، لأن الكلام يجري مجرى الخبر الذي لا تكون { أو } فيه إلا منفصلة ، وأما معنى الشك أو الإبهام فلا مدخل لها في هذه الآية ، والإبهام نحو قوله تعالى : { وإنا أو إياكم } [ سبأ : 24 ] ، وقول أبي الأسود : [ الوافر ] @ أحب محمداً حباً شديداً وعباساً وحمزة أو عليا @@ و { ذا متربة } معناه : مذقعاً قد لصق بالتراب وهذا مما ينحو إلى أن المسكين أشد فاقة من الفقير ، قال سفيان : هم المطروحون على ظهر الطريق قعوداً على التراب لا بيوت لهم . وقال ابن عباس هو الذي يخرج من بيته ثم يقلب وجهه إلى بيته مستيقناً أنه ليس فيه إلا التراب ، وقوله تعالى : { ثم كان } معطوف على قوله { اقتحم } وتوجه فيه معاني ، { فلا اقتحم } المذكورة من النفي والتحضيض والدعاء ، ورجح أبو عمرو بن العلاء قراءته { فك } بقوله { ثم كان } , ومعنى قوله { ثم كان } أي كان وقت اقتحامه العقبة { من الذين آمنوا } وليس المعنى أنه يقتحم ، ثم يكون بعد ذلك لأن الاقتحام كان يقع من غير مؤمن وذلك غير نافع . وقوله تعالى : { وتواصوا بالصبر } معناه : على طاعة الله وبلائه وقضائه وعن الشهوات والمعاصي . و { بالرحمة } ، قال ابن عباس : كل ما يؤدي إلى رحمة الله تعالى . وقال آخرون : هو التراحم وعطف بعض من الناس على بعض ، وفي ذلك قوام الناس ولو لم يتراحموا جملة هلكوا ، و { الميمنة } مفعلة ، وهي فيما روي عن يمين العرش ، وهو موضع الجنة ومكان المرحومين من الناس ، و { المشأمة } الجانب الأشأم وهو الأيسر ، وفيه جهنم ، وهو طريق المعذبين يؤخذ بهم ذات الشمال ، وهذا مأخوذ من اليمن والشام للواقف بباب الكعبة متوجهاً إلى مطلع الشمس ، واليد الشؤمى هي اليسرى ، وذهب الزجاج وقوم إلى ذلك من اليمن والشؤم , وقرأ ابن كثير وابن عامر ونافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم " موصدة " على وزن موعدة وكذلك في سورة الهمزة ، وقرأ أبو عمرو وحمزة وحفص عن عاصم " مؤصدة " بهمز الواو في السورتين ، ومعناهما جميعاً ، مطبقة معلقة ، يقال : أوصدت وآصدت ، بمعنى أطبقت وأغلقت ، فهي " موصدة " دون همز من أوصدت ، وقد يحتمل أن يهمز من يراها من أوصدت من حيث قبل الواو حرف مضموم على لغة من قرأ بالسوق ، ومنه قول الشاعر [ جرير ] : @ أحب المؤقدان إليَّ مؤسى @@ بالهمز فيهما ، و " مؤصدة " من آصدت ، ويحتمل أن تسهل الهمزة فتجيء " موصدة " من أصدت ومن اللفظة الوصيد ، وقال الشاعر [ الأعشى ] : [ الكامل ]