Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 90, Ayat: 1-10)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ الحسن بن أبي الحسن " لأقسم " دون ألف ، وقرأ الجمهور : " لا أقسم " ، واختلفوا فقال الزجاج وغيره : " لا " صلة زائدة مؤكدة ، واستأنف قوله { أقسم } ، وقال مجاهد { لا } رد للكلام متقدم للكفار ، ثم استأنف قوله { أقسم } ، وقال بعض المتأولين { لا } نفي للقسم بالبلد ، أخبر الله تعالى أنه لا يقسم به ، ولا خلاف بين المفسرين أن { البلد } المذكور هو مكة ، واختلف في معنى قوله { وأنت حل بهذا البلد } فقال ابن عباس وجماعة : معناه وأنت حلال بهذا البلد يحل لك فيه قتل من شئت ، وكان هذا يوم فتح مكة ، وعلى هذا يتركب قول من قال السورة مدنية نزلت عام الفتح ، ويتركب على التأويل قول من قال : { لا } نافية أي إن هذا البلد لا يقسم الله به ، وقد جاء أهله بأعمال توجب إحلال حرمته ، ويتجه أيضاً أن تكون { لا } غير نافية . وقال بعض المتأولين : { وأنت حل بهذا البلد } معناه : حال ساكن بهذا البلد ، وعلى هذا يجيء قول من قال هي مكية ، والمعنى على إيجاب القسم بين وعلى نفيه أيضاً يتجه على معنى القسم ببلد أنت ساكنه على أذى هؤلاء القوم وكفرهم ، وذكر الثعلبي عن شرحبيل بن سعد أن معنى { وأنت حل } أي قد جعلوك حلالاً مستحل الأذى والإخراج والقتل لك لو قدروا ، وإعراب { البلد } عطف بيان ، وقوله تعالى : { ووالد وما ولد } قسم مستأنف على قول من قال { لا } نافية ، ومعطوف على قول من رأى { لا } غير نافية ، واختلف الناس في معنى قوله : { ووالد وما ولد } ، فقال مجاهد : هو آدم وجميع ولده ، وقال بعض رواة التفسير : هو نوح وجميع ولده ، وقال أبو عمران الجوني : هو إبراهيم وجميع ولده ، وقال ابن عباس ما معناه : أن الوالد والولد هنا على العموم فهي أسماء جنس يدخل فيها جميع الحيوان ، وقال ابن عباس وابن جبير وعكرمة : { ووالد } معناه : كل من ولد وأنسل ، وقوله { وما ولد } " لم يبق تحته إلا العاقر الذي ليس بوالد البتة ، والقسم واقع على قوله : { لقد خلقنا الإنسان في كبد } ، واختلف الناس في " الكَبد " فقال جمهور الناس : { الإنسان } اسم الجنس كله ، و " الكبد " المشقة والمكابدة ، أي يكابد أمر الدنيا والآخرة ، ومن ذلك قول لبيد : [ المنسرح ] @ يا عين هلا بكيت أربد إذ قمنا وقام الخصوم في كبد @@ وقول ذي الإصبع : [ البسيط ] @ لي ابن عم لو أن الناس في كبد لظل محتجراً بالنبل يرميني @@ وبالمشقة في أنواع أحوال الإنسان فسره الجمهور ، وقال الحسن : لم يخلق الله خلقاً يكابد ما يكابد ابن آدم ، وقال ابن عباس وعبد الله بن شداد وأبو صالح ومجاهد { في كبد } معناه : منتصف القامة واقفاً ، وقال ابن زيد : { الإنسان } : آدم عليه السلام ، و { في كبد } معناه : في السماء سماها كبداً ، وهذان قولان قد ضعفا والقول الأول هو الصحيح ، وروي أن سبب الآية وما بعدها هو أبو الأشدين رجل من قريش شديد القوة ، اسمه أسيد بن كلدة الجمحي ، كان يحسب أن أحداً لا يقدر عليه ، ويقال بل نزلت في عمرو بن ود ، ذكره النقاش ، وهو الذي اقتحم الخندق بالمدينة وقتله علي بن أبي طالب خلف الخندق ، وقال مقاتل : نزلت في الحارث بن عامر بن نوفل ، أذنب فاستفتى النبي صلى الله عليه وسلم فأمره بالكفارة فقال : لقد { أهلكت مالاً } في الكفارات والنفقات مذ تبعت محمداً ، وكان كل واحد منهم قد ادعى أنه أنفق مالاً كثيراً على إفساد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أو في الكفارات على ما تقدم ، فوقف القرآن على جهة التوبيخ للمذكور ، وعلى جهة التوبيخ لاسم الجنس كله . و { يقدر } نصب بـ { لَنْ } و { أن } مخففة من الثقيلة ، وكان قول هذا الكافر : { أهلكت مالاً لبداً } كذباً منه ، فلذلك قال : { أيحسب أن لم يره أحد } أي أنه رُئي وأُحْصِيَ فعله فما باله يكذب ؟ ومن قال إن المراد اسم الجنس غير مفرد ، وجعل قوله تعالى : { أيحسب أن لم يره أحد } بمعنى أيظن الإنسان أن ليس عليه حفظة يرون أعماله ويحصونها إلى يوم الجزاء ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وجسمه فيما أبلاه وماله من أين كسبه وأين أنفقه " ، واختلف القراء في قوله " لبداً " ، فقرأ جمهور القراء بضم اللام وفتح الباء ، وقرأ مجاهد " لُبُداً " بضمهما وذلك جمع لبدة أو جمع لَبود بفتح اللام ، وقرأ أبو جعفر يزيد " لُبَّداً " بضم اللام وفتح الباء وشدها فيكون مفرداً نحو " زمَّل " ويكون جمع لابد ، وقد روي عن أبي جعفر " لبْداً " بسكون الباء ، والمعنى في هذه القراءات كلها مالاً كثيراً متلبداً بعضه فوق بعض من التكاثف والكثرة ، وقرأ الأعمش : " لم يرْه " بسكون الراء لتوالي الحركات ، ثم عدد تعالى على الإنسان نعمه التي بها تقوم الحجة ، وهي جوارحه وقرن تعالى " الشفتين " باللسان لأن نعمة العبارة والكلام ، لا يصح إلا بالجميع … وفي الحديث : يقول الله تعالى : " ابن آدم إن نازعك لسانك إلى ما لا يحل ، فقد أعنتك عليه بشفتين فأطبقهما عليه " واختلف الناس في { النجدين } فقال ابن مسعود وابن عباس والناس : طريقا الخير والشر ، أي عرضنا عليه طريقهما ، وليست الهداية هنا بمعنى الإرشاد ، وقال ابن عباس أيضاً والضحاك : " النجدان " : ثديا الأم وهذا مثال ، والنجد : الطريق المرتفع ، وأنشد الأصمعي : [ الطويل ]