Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 1, Ayat: 1-3)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ بسْم اللهِ الرحمنِ الرحيم } قال ابن عمر : نزلت في كل سورة . وقد اختلف العلماء : هل هي آية كاملة ، أم لا ؟ وفيه [ عن ] أحمد روايتان . واختلفوا : هل هي من الفاتحة ، أم لا ؟ فيه عن أحمد روايتان أيضاً . فأما من قال : إِنها من الفاتحة ، فإنه يوجب قراءتها في الصلاة إِذا قال بوجوب الفاتحة ، وأما من لم يرها من الفاتحة ، فانه يقول : قراءتها في الصلاة سنة . ما عدا مالكاً فانه لا يستحب قراءتها في الصلاة . واختلفوا في الجهر بها في الصلاة فيما يجهر به ، فنقل جماعة عن أحمد : أنه لا يسن الجهر بها ، وهو قول أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن مسعود ، وعمار بن ياسر ، وابن مغفَّل ، وابن الزبير ، وابن عباس ، وقال به من كبراء التابعين ومن بعدهم : الحسن ، والشعبي ، وسعيد بن جبير ، وابراهيم ، وقتادة ، وعمر بن عبد العزيز ، والأعمش ، وسفيان الثوري ، ومالك ، وأبو حنيفة ، وأبو عبيد في آخرين . وذهب الشافعي إِلى أن الجهر مسنون ، وهو مروي عن معاوية بن أبي سفيان ، وعطاء ، وطاووس ، ومجاهد . فأما تفسيرها : فقوله : { بِسمِ الله } اختصار ، كأنه قال : أبدأ باسم الله . أو : بدأت باسم الله . وفي الاسم خمس لغات : إِسم بكسر الألف ، وأُسم بضم الألف إذا ابتدأت بها ، وسم بكسر السين ، وسم بضمها ، وسما . قال الشاعر : @ والله أَسْماك سماً مباركا آثرك الله به إيثاركا @@ وأَنشدوا : @ باسم الذي في كل سورةٍ سمه @@ قال الفراء : بعض قيس [ يقولون : ] سمه ، يريدون : اسمه ، وبعض قضاعة يقولون : سُمُه . أَنشدني بعضهم : @ وعامنا أَعجبنا مقدّمه يدعى أبا السمح وقرضاب سُمُه @@ والقرضاب : القطاع ، يقال : سيف قرضاب . واختلف العلماء في اسم الذي هو « الله » : فقال قوم : إِنه مشتق ، وقال آخرون : إنه علم ليس بمشتق . وفيه عن الخليل روايتان . إِحداهما : أنه ليس بمشتق ، ولا يجوز حذف الألف واللام منه كما يجوز من الرحمن . والثانية : رواها عنه سيبويه : أنه مشتق . وذكر أبو سليمان الخطابي عن بعض العلماء أن أصله في الكلام مشتق من : أله الرجل يأله : إِذا فزع اليه من أمر نزل به . فألهه ، أي : أجاره وأمَّنه ، فسمي إِلهاً كما يسمّى الرجل إِماماً . وقال غيره : أصله ولاه . فأبدلت الواو همزة فقيل : إِله كما قالوا : وسادة إِسادة ، ووشاح وإِشاح . واشتق من الوله ، لأن قلوب العباد توله نحوه . كقوله تعالى : { ثم إذا مسكم الضر فاليه تجأرون } [ النحل : 53 ] . وكان القياس أن يقال : مألوه ، كما قيل : معبود ، إلا أنهم خالفوا به البناء ليكون علماً ، كما قالوا للمكتوب : كتاب ، وللمحسوب : حساب . وقال بعضهم : أصله من : أله الرجل يأله إِذا تحير ، لأن القلوب تتحير عند التفكر في عظمته . وحكي عن بعض اللغويين : أله الرجل يأله إِلاهة ، بمعنى : عبد يعبد عبادة . وروي عن ابن عباس أنه قال : { ويذرك وءالهتك } [ الأعراف : 127 ] أي : عبادتك . قال : والتأله : التعبد . قال رؤبة : @ لله در الغانيات المدَّه سبَّحن واسترجعن من تألهي @@ فمعنى الإِله : المعبود . فأما « الرَّحمن » : فذهب الجمهور إِلى أنه مشتق من الرحمة ، مبني على المبالغة ، ومعناه : ذو الرحمة التي لا نظير له فيها . وبناء فعلان في كلامهم للمبالغة ، فانهم يقولون للتشديد الامتلاء : ملآن ، وللشديد الشبع : شبعان . قال الخطابي : فـ « الرحمن » : ذو الرحمة الشاملة التي وسعت الخلق في أرزاقهم ومصالحهم ، وعمت المؤمن والكافر . و « الرحيم » : خاصٌ للمؤمنين . قال عز وجل : { وكان بالمؤمنين رحيما } [ الأحزاب : 43 ] . والرحِيم : بمعنى الراحم . روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وقرأ عليه أبيّ بن كعب أم القرآن فقال : " والذي نفسي بيده ، ما أُنزل في التوراة ، ولا في الانجيل ، ولا في الزبور ، ولا في الفرقان مثلها ، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته " . فمن أسمائها : الفاتحة ، لأنه يستفتح الكتاب بها تلاوة وكتابة . ومن أسمائها : أم القرآن ، وأم الكتاب ، لأنها أمت الكتاب بالتقدم . ومن أسمائها : السَّبع المثاني ، وإنما سميت بذلك لما سنشرحه في ( الحجر ) إن شاء الله . واختلف العلماء في نزولها على قولين . أحدهما : أنها مكية ، وهو مروي عن علي بن أبي طالب ، والحسن ، وأبي العالية ، وقتادة ، وأبي ميسرة . والثاني : أنها مدنية ، وهو مرويّ عن أبي هريرة ، ومجاهد ، وعبيد بن عمير ، وعطاء الخراساني . وعن ابن عباس كالقولين . فصل فأما تفسيرها فـ { الْحَمْدُ } رفع بالابتداء ، و { لله } الخبر . والمعنى : الحمد ثابت لله ، ومستقرّ له ، والجمهور على كسر لام « لله » وضمها ابن عبلة ، قال الفراء : هي لغة بعض بني ربيعة ، وقرأ ابن السَّميفع : « الحمد » بنصب الدال « لله » بكسر اللام . وقرأ أبو نهيك . بكسر الدال واللام جميعا . واعلم أن الحمد : ثناء على المحمود ، ويشاركه الشكر ، إلا أن بينهما فرقاً ، وهو : أن الحمد قد يقع ابتداء للثناء ، والشكر لا يكون إلا في مقابلة النعمة ، وقيل : لفظه لفظ الخبر ، ومعناه الأمر ، فتقديره : قولوا : الحمد لله . وقال ابن قتيبة : الحمد : الثناء على الرجل بما فيه من كرم أو حسب أو شجاعة ، وأشباه ذلك . والشكر : الثناء عليه بمعروف أولا كه ، وقد يوضع الحمد موضع الشكر . فيقال : حمدته على معروفه عندي ، كما يقال : شكرت له على شجاعته . فأما « الرب » فهو المالك ، ولا يذكر هذا الاسم في حق المخلوق إلا بالاضافة ، فيقال : هذا رب الدار ، ورب العبد . وقيل هو مأخوذ من التربية . قال شيخنا أبو منصور اللغوي : يقال : ربّ فلان صنيعته يربها رباً : إذا أتمها وأصلحها ، فهو ربّ ورابٌ . قال الشاعر : @ يربّ الذي يأتي من الخير إنه إذا سئل المعروف زاد وتمُّما @@ قال : والرب يقال على ثلاثة أوجه . أحدها : المالك . يقال رب الدار . والثاني : المصلح ، يقال : رب الشيء . والثالث : السيد المطاع . قال تعالى : { فيسقى ربَّه خمراً } [ يوسف : 41 ] . والجمهور على خفض باء « ربِّ » . وقرأ أبو العالية ، وابن السَّميفع ، وعيسى ابن عمر بنصبها . وقرأ أبو رزين العقيلي ، والربيع بن خيثم ، وأبو عمران الجوني برفعها . فأما { الْعَالَمِينَ } فجمع عالم ، وهو عند أهل العربية : اسم للخلق من مبدئهم إلى منتهاهم ، وقد سموا أهل الزمان الحاضر عالماً . فقال الحطيئة : @ تنحي فاجلسي مني بعيدا أراح الله منك العالمينا @@ فأما أهل النظر ، فالعلم عندهم : اسم يقع على الكون الكلي المحدث من فلكٍ ، وسماء ، وأرض ، وما بين ذلك . وفي اشتقاق العالم قولان . أحدهما : أنه من العلم ، وهو يقوي قول أهل اللغة . والثاني : أنه من العلامة ، وهو يقوي قول أهل النظر ، فكأنه إنما سمي عندهم بذلك ، لانه دالٌ على خالقه . وللمفسرين في المراد بـ « العالمين » ها هنا خمسة أقوال : أحدها : الخلق كله ، السموات والأرضون وما فيهنّ وما بينهن . رواه الضحّاك عن ابن عباس . والثاني : كل ذي روح دب على وجه الأرض . رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثالث : أنهم الجن والإنس . روي ايضا عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، ومقاتل . والرابع : أنهم الجن والإنس والملائكة ، نقل عن ابن عباس أيضا ، واختاره ابن قتيبة . والخامس : أنهم الملائكة ، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً . قوله تعالى : { الرَّحْمن الرَّحِيمِ } قرأ أبو العالية ، وابن السميفع ، وعيسى بن عمر بالنصب فيهما ، وقرأ أبو رزين العقيلي ، والربيع بن خيثم ، وأبو عمران الجوني بالرفع فيهما .