Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 60-69)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وأُتبعوا في هذه الدنيا لعنةً } أي : أُلحقوا لعنة تنصرف معهم . { ويوم القيامة } أي : وفي يوم القيامة لُعنوا أيضاً . { ألا إِن عاداً كفروا ربهم } أي : بربهم ، فحذف الباء ، وأنشدوا : @ أَمَرتُكَ الخيرَ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ فقد تَركْتُكَ ذَا مَالٍ وَذَا نَشَبِ @@ قال الزجاج : قوله : « ألا » ابتداء وتنبيه ، و « بُعدا » منصوب على معنى : أبعدهم الله فبعدوا بعداً ، والمعنى : أبعدهم من رحمته . قوله تعالى : { هو أنشأكم من الأرض } فيه قولان : أحدهما : خلقكم من آدم ، وآدم خُلق من الأرض . والثاني : أنشأكم في الأرض . وفي قوله : { واستعمركم فيها } ثلاثة أقوال : أحدها : أعمركم فيها ، أي : جعلكم ساكنيها مدة أعماركم ، ومنه العمرى ، وهذا قول مجاهد . والثاني : أطال أعماركم ، وكانت أعمارهم من ألف سنة إِلى ثلاثمائة ، قاله الضحاك . والثالث : جعلكم عُمَّارها ، قاله أبو عبيدة . قوله تعالى : { قد كنتَ فينا مرجُوّاً قبل هذا } فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنهم كانوا يرجونه للمملكة بعد ملكهم ، لأنه كان ذا حسب وثروة ، قاله كعب . والثاني : أنه كان يبغض أصنامهم ويعدل عن دينهم ، وكانوا يرجون رجوعه إِلى دينهم ، فلما أظهر إِنذارهم ، انقطع رجاؤهم ، منه وإِلى نحو هذا ذهب مقاتل . والثالث : أنهم كانوا يرجون خيره ، فلما أنذرهم ، زعموا أن رجاءهم لخيره قد انقطع ، ذكره الماوردي . قوله تعالى : { وإِننا لفي شك } إِن قال قائل : لم قال هاهنا : « وإِننا » وقال في ( إِبراهيم ) : « وإِنا » ؟ فالجواب : أنهما لغتان من لغات قريش السبع التي نزل القرآن عليها . قال الفراء : من قال : « إِننا » أخرج الحرف على أصله ، لأن كناية المتكلمين « نا » فاجتمعت ثلاث نونات ، نونا « إِن » والنون المضمومة إِلى الألف ، ومن قال : « إِنا » استثقل الجمع بين ثلاث نونات ، وأسقط الثالثة ، وأبقى الأولتين ؛ وكذلك يقال : إِني وإٍنني ، ولعلّي ولعلني ، وليتي وليتني ، قال الله في اللغة العليا : { لعلّي أبلغ الأسباب } [ غافر : 36 ] ، وقال الشاعر في اللغة الأخرى : @ أريني جواداً مات هَزْلاً لعلَّني أرى ما تَرَيْنَ أو بخيلاً مخلَّدا @@ وقال الله تعالى : { يا ليتني كنتُ معهم } [ النساء : 73 ] ، وقال الشاعر : @ كمُنيةِ جابرٍ إِذ قال ليتي أصادفُه وأُتلفُ بعضَ مالي @@ فأما المريب ، فهو الموقع للريبة والتهمة . والرحمة يراد بها هاهنا : النبوَّة . قوله تعالى : { فما تزيدونني غير تخسير } التخسير : النقصان . وفي معني الكلام قولان : أحدهما : فما تزيدونني غيرَ بَصَارَةٍ في خسارتكم ، قاله ابن عباس . وقال الفراء : المعنى : فما تزيدونني غير تخسيرٍ لكم ، أي : كلما اعتذرتم عندي بعذر فهو يزيدكم تخسيراً . وقال ابن الأعرابي : غير تخسير لكم ، لا لي . وقال بعضهم : المعنى : فما تزيدونني بما قلتم إِلا نسبتي لكم إِلى الخسارة . والقول الثاني : فما تزيدونني غير الخسران إِن رجعتُ إِلى دينكم ، وهذا معنى قول مقاتل . فان قيل : فظاهر هذا أنه كان خاسراً ، فزادوه خساراً ، فقد أسلفنا الجواب في قوله : { لو خرجوا فيكم مازادوكم إِلا خبالاً } [ التوبة : 47 ] . قوله تعالى : { هذه ناقةُ الله لكم آيةً } قد شرحناها في سورة [ الأعراف : 73 ] قوله تعالى : { تمتعوا في داركم } أي : استمتعوا بحياتكم ، وعبَّر عن الحياة بالتمتع ، لأن الحيَّ يكون متمتِّعاً بالحواسِّ . قوله تعالى : { ثلاثةَ أيام } قال المفسرون : لمَّا عُقرت الناقة صَعِدَ فصيلُها إِلى الجبل ، ورغا ثلاث مرات ، فقال صالح : لكل رغوة أجل يوم ، ألا إِن اليوم الأول تصبح وجوهُكم مُصْفَرَّةً ، واليوم الثاني مُحْمَرَّةً ، واليوم الثالث مُسْوَدَّةً ؛ فلما أصبحوا في اليوم الأول ، إِذا وجوههم مصفرة ، فصاحوا وضجوا ، وبَكَوْا ، وعَرَفوا أنَّه العذاب ، فلما أصبحوا في اليوم الثاني ، إِذا وجوههم محمرة ، فضجوا ، وبكَوا ، فلما أصبحوا في اليوم الثالث ، إِذا وجوههم مسودة كأنما طليت بالقار ، فصاحوا جميعاً : ألا قد حضركم العذاب ؛ فتكفَّنوا وألقَوْا أنفسهم بالأرض ، لا يدرون من أين يأتيهم العذاب ، فلما أصبحوا في اليوم الرابع ، أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كلِّ صاعقة ، فتقطَّعتْ قلوبُهم في صدورهم . وقال مقاتل : حفروا لأنفسهم قبوراً ، فلما ارتفعت الشمس من اليوم الرابع ، ولم يأتهم العذاب ، ظنوا أن الله قد رحمهم ، فخرجوا من قبورهم يدعو بعضهم بعضاً ، إِذ نزل جبريل ، فقام فوق المدينة فسدّ ضوءَ الشمس ، فلما عاينوه ، دخلوا قبورهم ، فصاح بهم صيحة : موتوا ، عليكم لعنة الله ، فخرجت أرواحهم ، وتزلزلت بيوتهم فوقعت على قبورهم . قوله تعالى : { ذلك وعدٌ } أي : العذاب { غير مكذوب } أي : غير كذب . قوله تعالى : { ومن خِزْيِ يومِئِذٍ } قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر « يومِئِذٍ » بكسر الميم . وقرأ الكسائي بفتحها مع الإِضافة . قال مكي : من كسر الميم ، أعرب وخفض ، لإِضافة الخزي إِلى اليوم ، ولم يَبْنِهِ ؛ ومن فتح ، بنى اليوم على الفتح ، لإِضافته إِلى غير متمكّن ، وهو « إِذ » وقرأ ابن مسعود « ومن خزيٍ » بالتنوين ، « يومَئذ » بفتح الميم . قال ابن الأنباري : هذه الواو في قوله : « ومن خزي » معطوفة على محذوف ، تقديره : نجيناهم من العذاب ومن خزي يومئذ . قال : ويجوز أن تكون دخلت لفعل مضمر ، تأويله : نجينا صالحاً والذين آمنوا معه برحمة منا ، ونجيناهم من خِزْي يومئذ . قال : وإِنما قال : « وأخذَ » لأن الصيحة محمولة على الصياح . قوله تعالى : { ألا بعداً لثمود } اختلفوا في صرف « ثمود » وترك إِجرائه في خمسة مواضع : في [ هود : 69 ] { ألا إِن ثموداً كفروا ربهم ألا بعداً لثمود } وفي [ الفرقان : 38 ] { وعاداً وثموداً وأصحابَ الرسِّ } وفي [ العنكبوت : 38 ] { وعاداً وثموداً وقد تبين لكم } وفي [ النجم : 51 ] { وثمودَ فما أبقي } قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، ونافع ، وابن عامر بالتنوين في أربعة مواضع منها ، وتركوا { ألا بعداً لثمود } فلم يصرفوه . وقرأ حمزة بترك صرف هذه الخمسة الأحرف ، وصرفهنَّ الكسائي . واختلف عن عاصم ، فروى حسين الجعفي عن أبي بكر عنه أنه أجرى الأربعة الأحرف مثل أبي عمرو ؛ وروى يحيى بن آدم أنه أجرى ثلاثة ، في [ هود : 69 ] { ألا إِن ثموداً } وفي [ الفرقان : 38 ] و [ العنكبوت : 38 ] . وروى حفص عنه أنه لم يجر شيئاً منها مثل حمزة . واعلم أن ثموداً يراد به القبيلة تارة ، ويراد به الحي تارة . فإذا أريد به القبيلة ، لم يصرف ، وإِذا أريد به الحي ، صرف . وما أخللنا به ، فقد سبق تفسيره [ الأعراف : 73 ، والتوبة : 70 ] إِلى قوله : { ولقد جاءت رسلنا إِبراهيم } والرسل هاهنا : الملائكة . وفي عددهم ستة أقوال : أحدها : أنهم كانوا ثلاثة ، جبريل ، وميكائيل ، وإِسرافيل ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير . وقال مقاتل : جبريل ، وميكائيل ، وملك الموت . والثاني : أنهم كانوا اثني عشر ، روي عن ابن عباس أيضاً . والثالث : ثمانية ، قاله محمد بن كعب . والرابع : تسعة ، قاله الضحاك . والخامس : أحد عشر ، قاله السدي . والسادس : أربعة ، حكاه الماوردي . وفي هذه البشرى أربعة أقوال : أحدها : أنها البشرى بالولد ، قاله الحسن ، ومقاتل . والثاني : بهلاك قوم لوط ، قاله قتادة . والثالث : بنبوَّته ، قاله عكرمة . والرابع : بأن محمداً يخرج من صلبه ، ذكره الماوردي . قوله تعالى : { قالوا سلاماً } قال ابن الأنباري : انتصب بالقول ، لأنه حرف مقول ، والسلام الثاني مرفوع باضمار « عليكم » . وقال الفراء : فيه وجهان . أحدهما : أنه أضمر « عليكم » كما قال الشاعر : @ فَقُلْنَا السَّلاَمُ فَاتَّقَتْ مِنْ أَمِيرِهَا فما كان إِلاَّ ومْؤُهَا بِالْحَواجِبِ @@ والعرب تقول : التقينا فقلنا : سلام سلام . والثاني : أن القوم سلَّموا ، فقال حين أنكرهم هو : سلام ، فمن أنتم ؟ لإِنكاره إِياهم . وقرأ حمزة ، والكسائي : « قال سِلْم » ، وهو بمعنى سلام ، كما قالوا : حِلّ وحلال ، وحِرم وحرام ؛ فعلى هذا يكون ، معنى « سلِم » : سلام عليكم . قال أبو علي : فيكون معنى القراءتين واحداً وإِن اختلف اللفظان . وقال الزجاج : من قرأ « سِلْم » فالمعنى : أمْرُنا سِلْم ، أي : لا بأس علينا . قوله تعالى : { فما لبث } أي : ما أقام حتى جاء بعجل حنيذ ، لأنه ظنهم أضيافاً ، وكانت الملائكة قد جاءته في صورة الغلمان الوِضَاء . وفي الحنيذ ستة أقوال : أحدها : أنه النضيج ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة . والثاني : أنه الذي يَقْطُر ماؤُه وَدَسمُه وقد شوي ، قاله شمر بن عطية . والثالث : أنه ما حفرتَ الأرضَ ثم غممتَه ، وهو من فعل أهل البادية ، معروف ، وأصله : محنوذ ، فقيل : حنيذ كما قيل : طبيخ للمطبوخ ، وقتيل للمقتول . هذا قول الفراء . والرابع : أنه المشوي ، قاله أبو عبيدة . والخامس : المشوي بالحجارة المحماة ، قاله مقاتل ، وابن قتيبة . والسادس : السميط ، ذكره الزجاج ، وقال : يقال : إنه المشوي فقط ، ويقال : المشوي الذي يقطر ، ويقال : المشوي بالحجارة .