Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 45-48)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالي : { وقال الذي نجا منهما } يعني الذي تخلص من القتل من الفتيين ، وهو الساقي ، { وادَّكر } اي : تذكر شأن يوسف وما وصَّاه به . قال الزجاج : وأصل ادَّكر : اذتكر ، ولكن التاء ابدلت منها الدال ، وأدغمت الذال في الدال . وقرأ الحسن : « واذَّكر » بالذال المشددة . وقوله : { بعد أمة } أي : بعد حين ، وهو الزمان الذي لبثه يوسف بعده في السجن ، وقد سبق بيانه . وقرأ ابن عابس ، والحسن « بعد أَمَةً » أراد : بعد نسيان . فإن قيل : هذا يدل على أن الناسي في قوله : « فأنساه الشيطان ذكر ربه » هو الساقي ، ولا شك أن من قال : إِن الناسي يوسف يقول : لم ينس الساقي . فالجواب : أن من قال : إِن يوسف نسي ، يقول : معنى قوله : « وادَّكر » ذكر ، كما تقول العرب : احتلب بمعنى حلب ، واغتدى بمعنى غدا ، فلا يدل إِذاً على نسيان سبقه . وقد روى أبو صالح عن ابن عباس أنه قال : إِنما لم يذكر الساقي خبر يوسف للملك حتى احتاج الملك إِلى تأويل رؤياه ، خوفاً من أن يكون ذكره ليوسف سبباً لذكره الذنب الذي من أجله حبس ، ذكر هذا الجواب ابن الأنباري . قوله تعالى : { أنا أنبئكم بتأويله } أي : من جهة يوسف { فأرسلون } أثبت الياء فيها وفي { ولا تقربون } [ يوسف : 60 ] { أن تفنِّدون } [ يوسف : 94 ] يعقوب في الحالين ، فخاطب الملك وحده بخطاب الجميع ، تعظيماً ، وقيل : خاطبه وخاطب أتباعه . وفي الكلام اختصار ، المعنى : فأرسلوه فأتى يوسف فقال : يا يوسف يا أيها الصدّيق . والصدّيق : الكثير الصدق ، كما يقال : فسّيق ، وسكّير ، وقد سبق بيانه [ النساء : 69 ] . قوله تعالى : { لعلّي أرجع إِلى الناس } يعني الملك وأصحابه والعلماء الذين جمعهم لتعبير رؤياه . وفي قوله : { لعلهم يعلمون } قولان : أحدهما : يعلمون تأويل رؤيا الملك . والثاني : يعلمون بمكانك فيكون سبب خلاصك . وذكر ابن الأنباري في تكرير « لعلِّي » قولين : أحدهما : أن « لعل » الأولى متعلقة بالإِفتاء . والثانية مبنية على الرجوع ، وكلتاهما بمعنى « كي » . والثاني : أن الأولى بمعنى « عسى » والثانية بمعنى « كي » فأعيدت لاختلاف المعنيين ، وهذا هو الجواب عن قوله : { لعلهم يعرفونها إِذا انقلبوا إِلى أهلهم لعلهم يرجعون } [ يوسف : 63 ] قال المفسرون : كان سيِّده العزيز قد مات ، واشتغلت عنه امرأته . وقال بعضهم : لم يكن العزيز قد مات ، فقال يوسف للساقي : قل للملك : هذه سبع سنين مُخصِبات ، ومن بعدهن سبع سنين شداد ، إِلا أن يُحتال لهن ، فانطلق الرسول إِلى الملك فأخبره ، فقال له الملك : ارجع إِليه فقل له : كيف يُصنع ؟ فقال : { تزرعون سبع سنين دَأَباً } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم « دأْباً » ساكنة الهمزة ، إِلا أن أبا عمرو كان إِذا أدرج القراءة لم يهمزها . وروى حفص عن عاصم « دأَباً » بفتح الهمزة . قال أبو علي : الأكثر في « دأب » الإِسكان ، ولعل الفتح لغة ، ومعنى « دأَباً » أي : زراعة متوالية على عادتكم ، والمعنى : تزرعون دائبين . فناب « دأب » عن « دائبين » . وقال الزجاج : المعنى : تدأبون دأباً ، ودل على تدأبون « تزرعون » والدأب : الملازمة للشيء والعادة . فإن قيل : كيف حكم بعلم الغيب ، فقال : « تزرعون » ولم يقل : إِن شاء الله ؟ فعنه أربعة أجوبة : أحدها : أنه كان بوحي من الله عز وجل . والثاني : أنه بنى على علم ما علّمه الله من التأويل الحق ، فلم يشك . والثالث : أنه أضمر « إِن شاء الله » كما أضمر إِخوته في قولهم : { ونمير أهلنا ونحفظ أخانا } [ يوسف : 65 ] ، فاضمروا الاستثناء في نياتهم ، لأنهم على غير ثقة مما وعدوا ، ذكره ابن الأنباري . والرابع : أنه كالآمر لهم ، فكأنه قال : ازرعوا . قوله تعالى : { فذروه في سنبله } فإنه أبقى له ، وأبعد من الفساد . والشِّداد : المجدبات التي تشتد على الناس . { يأكلن } أي : يُذهبن ما قدمتم لهن في السنين المخصبات ، فوصف السنين بالأكل ، وإِنما يؤكل فيها ، كما يقال : ليل نائم . قوله تعالى : { إِلا قليلاً مما تحصنون } أي : تحرزون وتدَّخرون .