Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 88-93)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فلما دخلوا عليه } في الكلام محذوف . تقديره : فخرجوا إِلى مصر ، فدخلوا على يوسف ، فـ { قالوا : يا أيها العزيز } وكانوا يسمُّون ملكهم بذلك ، { مسَّنا وأهلنا الضرُّ } يعنون الفقر والحاجة { وجئنا ببضاعة مزجاة } . وفي ماهية تلك البضاعة سبعة أقوال : أحدها : أنها كانت دراهم ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثاني : أنها كانت متاعاً رثّاً كالحبل والغرارة ، رواه ابن أبي مليكة عن ابن عباس . والثالث : كانت أَقِطاً قاله الحسن . والرابع : كانت نعالاً وأدَماً ، رواه جويبر عن الضحاك . والخامس : كانت سويق المُقْل ، روي عن الضحاك أيضاً . والسادس : حبة الخضراء وصنوبر ، قاله أبو صالح . والسابع : كانت صوفاً وشيئاً من سمن ، قاله عبد الله بن الحارث . وفي المزجاة خمسة أقوال : أحدها : أنها القليلة . روى العوفي عن ابن عباس قال : دراهم غير طائلة ، وبه قال مجاهد ، وابن إِسحاق ، وابن قتيبة . قال الزجاج : تأويله في اللغة أن التزجية : الشيء الذي يدافَع به ، يقال : فلان يزجي العيش ، أي : يدفع بالقليل ويكتفي به ، فالمعنى : جئنا ببضاعة إِنما ندافع بها ونتقوَّت ، وليست مما يُتَّسع به ، قال الشاعر : @ الوَاهِبُ المائَةَ الهِجَانَ وَعَبْدَهَا عُوذَاً تُزَجِّي خَلْفَهَا أَطْفَالَهَا @@ أي : تدفع أطفالها . والثاني : أنها الرديئة ، رواه الضحاك عن ابن عباس . قال أبو عبيدة : إِنما قيل للرديئة : مزجاة ، لأنها مردودة مدفوعة غير مقبولة ممن ينفقها ، قال : وهي من الإِزجاء ، والإِزجاء عند العرب : السَّوق والدفع ، وأنشد : @ لِيَبْكِ على مِلحانَ ضيفٌ مُدفَّع وَأَرْمَلَةٌ تُزْجِي مَعَ اللَّيْلِ أَرْمَلاَ @@ أي : تسوقه . والثالث : الكاسدة ، رواه الضحاك أيضاً عن ابن عباس . والرابع : الرثّة ، وهي المتاع الخَلَق ، رواه ابن أبي مليكة عن ابن عباس . والخامس : الناقصة ، رواه أبو حصين عن عكرمة . قوله تعالى : { فأوف لنا الكيل } أي : أتمه لنا ولا تنقصه لرداءة بضاعتنا . قوله تعالى : { وتصدق علينا } فيه ثلاثة أقوال : أحدها : تصدَّق علينا بما بين سعر الجياد والرديئة ، قاله سعيد بن جبير ، والسدي . قال ابن الأنباري : كان الذي سألوه من المسامحة يشبه التصدُّق ، وليس به . والثاني : بردِّ أخينا ، قال ابن جريج . قال : وذلك أنهم كانوا أنبياء ، والصَّدَقَةُ لا تحل للأنبياء . والثالث : وتصدَّق علينا بالزيادة على حقِّنا ، قاله ابن عيينة ، وذهب إِلى أن الصدقة قد كانت تحل للأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وسلم ، حكاه أبو سليمان الدمشقي ، وأبو الحسن الماوردي ، وأبو يعلى بن الفراء . قوله تعالى : { إِن الله يجزي المتصدقين } أي : بالثواب . قال الضحاك : لم يقولوا : إِن الله يجزيك إِن تصدقت علينا ، لأنهم لم يعلموا أنه مؤمن . قوله تعالى : { هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه } في سبب قوله لهم هذا ، ثلاثة أقوال : أحدها : أنه أخرج إِليهم نسخة الكتاب الذي كتبوه على أنفسهم ببيعه من مالك بن ذعر ، وفي آخر الكتاب : « وكتب يهوذا » فلما قرؤوا الكتاب اعترفوا بصحته وقالوا : هذا كتاب كتبناه على أنفسنا عند بيع عبدٍ كان لنا ، فقال يوسف عند ذلك : إِنكم تستحقون العقوبة ، وأمر بهم ليُقتَلوا ، فقالوا : إِن كنت فاعلاً ، فاذهب بأمتعتنا إِلى يعقوب ، ثم أقبل يهوذا على بعض إِخوته ، وقال : قد كان أبونا متصل الحزن لفقد واحد من ولده ، فكيف به إِذا أُخبر بهُلكنا أجمعين ؟ فرقَّ يوسف عند ذلك وكشف لهم أمره ، وقال لهم هذا القول ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . الثاني : أنهم لما قالوا : « مسَّنا وأهلنا الضرُّ » أدركته الرحمة ، فقال لهم هذا ، قاله ابن إِسحاق . والثالث : أن يعقوب كتب إِليه كتاباً : إِن رددتَ ولدي ، وإِلا دعوتُ عليك دعوةً تدرك السابعَ من ولدك ، فبكى ، وقال لهم هذا . وفي « هل » قولان : أحدهما : أنها استفهام لتعظيم القصة لا يراد به نفس الاستفهام . قال ابن الأنباري : والمعنى : ما أعظم ما ارتكبتم ، وما أسمج ما آثرتم من قطيعة الرحم وتضييع الحق ، وهذا مثل قول العربي : أتدري من عصيت ؟ هل تعرف من عاديت ؟ لا يرد بذلك الاستفهام ، ولكن يريد تفظيع الأمر ، قال الشاعر : @ أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي @@ لم يرد الاستفهام ، إِنما أراد أن هذا غير مرجوٍّ عندهم . قال : ويجوز أن يكون المعنى : هل علمتم عقبى ما فعلتم بيوسف وأخيه من تسليم الله لهما من المكروه ؟ وهذه الآية تصديق قوله : { لتنبِّئنَّهم بأمرهم } . والثاني : أن « هل » بمعنى « قد » ذكره بعض أهل التفسير . فان قيل : فالذي فعلوا بيوسف معلوم ، فما الذي فعلوا بأخيه ، وما سعَوا في حبسه ولا أرادوه ؟ فالجواب من وجوه . أحدها : أنهم فرَّقوا بينه وبين يوسف ، فنغَّصوا عيشه بذلك . والثاني : أنهم آذوْهُ بعد فُقْدِ يوسف . والثالث : أنهم سبّوه لما قُذف بسرقة الصاع . وفي قوله : { إِذ أنتم جاهلون } أربعة أقوال : أحدها : إِذ أنتم صبيان ، قاله ابن عباس . والثاني : مذنبون ، قاله مقاتل . والثالث : جاهلون بعقوق الأب ، وقطع الرحم ، وموافقة الهوى . والرابع : جاهلون بما يؤول إِليه أمر يوسف ، ذكرهما ابن الأنباري . قوله تعالى : { أئنك لأنت يوسف } قرأ ابن كثير ، وأبو جعفر ، وابن محيصن : « إِنك » على الخبر ، وقرأه آخرون بهمزتين محققتين ، وأدخل بعضهم بينهما ألفاً . واختلف المفسرون ، هل عرفوه ، أم شبّهوه ؟ على قولين . أحدهما : أنهم شبّهوه بيوسف ، قاله ابن عباس في رواية . والثاني : أنهم عرفوه ، قاله ابن إِسحاق . وفي سبب معرفتهم له ثلاثة أقوال : أحدها : أنه تبسم ، فشبَّهوا ثناياه بثنايا يوسف ، قاله الضحاك عن ابن عباس . والثاني : أنه كانت له علامة كالشامة في قرنه ، وكان ليعقوب مثلها ، ولإِسحاق مثلها ، ولسارة مثلها ، فلما وضع التاج عن رأسه ، عرفوه ، رواه عطاء عن ابن عباس . والثالث : أنه كشف الحجاب ، فعرفوه ، قاله ابن إِسحاق . قوله تعالى : { قال أنا يوسف } قال ابن الأنباري : إِنما أظهر الاسم ، ولم يقل : أنا هو ، تعظيماً لما وقع به من ظلم إِخوته ، فكأنه قال : أنا المظلوم المستحَلُّ منه ، المراد قتلُه ، فكفى ظهور الاسم من هذه المعاني ، ولهذا قال : { وهذا أخي } وهم يعرفونه ، وإِنما قصد : وهذا المظلوم كظلمي . قوله تعالى : { قد منَّ الله علينا } فيه ثلاثة أقوال : أحدها : بخير الدنيا والآخرة . والثاني : بالجمع بعد الفرقة . والثالث : بالسلامة ثم بالكرامة . قوله تعالى : { إِنه من يتق ويصبر } قرأ ابن كثير في رواية قنبل : « من يتقي ويصبر » بياء في الوصل والوقف ، وقرأ الباقون بغير ياء الحالين . وفي معنى الكلام أربعة أقوال : أحدها : من يتق الزنى ويصبر على البلاء . والثاني : من يتق الزنى ويصبر على العزبة . والثالث : من يتق الله ويصبر على المصائب ، رويت هذه الأقوال عن ابن عباس . والرابع : يتق معصية الله ويصبر على السجن ، قاله مجاهد . قوله تعالى : { فإن الله لا يضيع أجر المحسنين } أي : أجر مَنْ كان هذا حاله . قوله تعالى : { لقد آثرك الله علينا } أي : اختارك وفضَّلك . وبماذا عنوا أنه فضَّله فيه ؟ أربعة أقوال : أحدها : بالملك ، قاله الضحاك عن ابن عباس . والثاني : بالصبر ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثالث : بالحلم والصفح عنا ، ذكره أبو سليمان الدمشقي . والرابع : بالعلم والعقل والحسن وسائر الفضائل التي أعطاه . قوله تعالى : { وإِن كنا لخاطئين } قال ابن عباس : لمذنبين آثمين في أمرك . قال ابن الأنباري : ولهذا اختير « خاطئين » على « مخطئين » وإِن كان « أخطأَ » على ألسن الناس أكثر من « خطىء يخطأ » لأن معنى خطىء يخطأ ، فهو خاطىء : آثم ، ومعنى أخطأ يخطىء ، فهو مخطىء : ترك الصواب ولم يأثم ، قال الشاعر : @ عِبَادُكَ يَخْطَأونَ وَأَنْتَ رَبٌّ بِكَفَّيْكَ المَنَايَا والحُتُومُ @@ أراد : يأثمون . قال : ويجوز أن يكون آثر « خاطئين » على « مخطئين » لموافقة رؤوس الآيات لأن « خاطئين » أشبه بما قبلها . وذكر الفراء في معنى « إِن » قولين : أحدهما : وقد كنا خاطئين . والثاني : وما كنا إِلا خاطئين . قوله تعالى : { لا تثريب عليكم اليوم } قال أبو صالح عن ابن عباس : لا أعيِّركم بعد اليوم بهذا أبداً . قال ابن الأنباري : إِنما أشار إِلى ذلك اليوم ، لأنه أول أوقات العفو ، وسبيل العافي في مثله أن لا يراجع عقوبة . وقال ثعلب : قد ثرَّب فلان على فلان : إِذا عدَّد عليه ذنوبه . وقال ابن قتيبة : لا تعيير عليكم بعد هذا اليوم بما صنعتم ، وأصل التثريب : الإِفساد ، يقال : ثرَّب علينا : إِذا أفسد ، وفي الحديث : " إِذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحدَّ ، ولا يثرِّب " أي : لا يعيِّرها بالزنى ، قال ابن عباس : جعلهم في حِلّ ، وسأل الله المغفرة لهم . وقال السدي : لما عرّفهم نفسه ، سألهم عن أبيه ، فقالوا : ذهبت عيناه ، فأعطاهم قميصَه ، وقال : { اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً } وهذا القميص كان في قصبة من فضة معلَّقاً في عنق يوسف لما أُلقي في الجب ، وكان من الجنة ، وقد سبق ذكره [ يوسف : 18 ، 25 ، 26 ، 27 ، 28 ] . قوله تعالى : { يأت بصيراً } قال أبو عبيدة : يعود مبصراً . فان قيل : من أين قطع على الغيب ؟ فالجواب : أن ذلك كان بالوحي إِليه ، قاله مجاهد . قوله تعالى : { وائتوني بأهلكم أجمعين } قال الكلبي : كان أهله نحواً من سبعين إِنساناً .