Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 17-18)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أنزل من السماء ماءً } يعني : المطر { فسالت أودية } وهي جمع وادٍ ، وهو كل منفرَج بين جبلين يجتمع إِليه ماء المطر فيسيل { بقدرها } أي : بمبلغ ما تحمل ، فإن صَغُر الوادي ، قلَّ الماء ، وإِن هو اتسع ، كَثُر . وقرأ الحسن ، وابن جبير ، وأبو العالية ، وأيوب ، وابن يعمر ، وأبو حاتم عن يعقوب : « بقَدْرِها » بإسكان الدال . وقوله : « فسالت أودية » توسُّع في الكلام ، والمعنى : سالت مياهها ، فحُذف المضاف ، وكذلك قوله : « بقدَرِها » أي : بقدر مياهها . { فاحتمل السيل زَبَداً رابياً } أي : عالياً فوق الماء ، فهذا مثل ضربه الله عز وجل . ثم ضرب مثلاً آخر ، فقال : { ومما توقِدون عليه في النار } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : « توقِدون عليه » بالتاء . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم بالياء . قال أبو علي : من قرأ بالتاء ، فَلِما قبله من الخطاب ، وهو قوله : « أفاتخذتم » ، ويجوز أن يكون خطاباً عامّاً للكافّة ، ومن قرأ بالياء فلأَنَّ ذِكر الغَيبة قد تقدم في قوله : « أم جعلوا لله شركاء » . ويعني بقوله { ومما توقدون عليه } ما يدخل إِلى النار فيُذاب من الجواهر { ابتغاء حِلية } يعني : الذهب والفضة { أو متاع } يعني : الحديد والصُّفْر والنحاس والرصاص تُتخذ منه الأواني والأشياء التي يُنتفع بها ، { زَبَدٌ مثله } أي : له زَبَد إِذا أُذيب مثل زَبَد السَّيل ، فهذا مثل آخر . وفيما ضُرب له هذان المثلان ثلاثة أقوال : أحدها : أنه القرآن ، شُبِّه نزوله من السماء بالماء ، وشُبِّه قلوبُ العِباد بالأودية تحمل منه على قدر اليقين والشك ، والعقل والجهل ، فيستكنّ فيها ، فينتفع المؤمن بما في قلبه كانتفاع الأرض التي يستقر فيها المطر ، ولا ينتفع الكافر بالقرآن لمكان شَكِّه وكفره ، فيكون ما حصل عنده من القرآن كالزبَد وكخبَث الحديد لا يُنتفع به . والثاني : أنه الحق والباطل ، فالحق شُبِّه بالماء الباقي الصافي ، والباطل مشبَّه بالزَّبد الذاهب ، فهو وإِن علا على الماء فانه سيمَّحِق ، كذلك الباطل ، وإِن ظهر على الحق في بعض الأحوال ، فإن الله سيُبطله . والثالث : أنه مثل ضربه الله للمؤمن والكافر ، فمثَل المؤمن واعتقاده وعمله كالماء المنتفَع به ، ومثَل الكافر واعتقاده وعمله كالزبَد . قوله تعالى : { كذلك } أي : كما ذُكر هذا ، يضرب الله مَثل الحق والباطل . وقال أبو عبيدة : كذلك يمثِّل الله الحق ويمثِّل الباطل . فأما الجُفاء ، فقال ابن قتيبة : هو ما رمى به الوادي إِلى جنَباته ، يقال : أجفأتِ القِدرُ بزَبَدها : إِذا ألقته عنها . قال ابن فارس : الجُفاء : ما نفاه السيل ، ومنه اشتقاق الجَفاء . وقال ابن الأنباري : « جُفاءً » أي : بالياً متفرقاً . قال ابن عباس : إِذا مُسَّ الزَّبَد لم يكن شيئاً . قوله تعالى : { وأما ما ينفع الناس } من الماء والجواهر التي زال زَبَدها { فيمكث في الأرض } فيُنتفع به { كذلك } يبقى الحق لأهله . قوله تعالى : { للذين استجابوا لربهم } يعني : المؤمنين ، { والذين لم يستجيبوا له } يعني : الكفار . قال أبو عبيدة : استجبت لك واستجبتك سواء ، وهو بمعنى : أجبت . وفي الحُسنى ثلاثة أقوال : أحدها : أنها الجنة ، قاله ابن عباس ، والجمهور . والثاني : أنها الحياة والرزق ، قاله مجاهد . والثالث : كل خير من الجنة فما دونها ، قاله أبو عبيدة . قوله تعالى : { لا فتدَوْا به } اي : لجعلوه فداء أنفسهم من العذاب ، ولا يُقبل منهم . وفي سوء الحساب ثلاثة أقوال : أحدها : أنها المناقشة بالأعمال ، رواه ابو الجوزاء عن ابن عباس . وقال النخعي : هو أن يحاسَب بذنبه كله ، فلا يُغفر له منه شيء . والثاني : أن لا تُقبل منهم حسنة ، ولا يُتجاوز لهم عن سيئة . والثالث : أنه التوبيخ والتقريع عند الحساب .